فلما كانت هذه الأشياء وقد جاء ظاهرها على الجميع، وباطنها على خاص من ذلك، احتمل أيضًا أن يكون قوله:"الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة" ظاهر ذلك عليهما، وباطنها على إحداهما، فتكون الخمر المقصودة في ذلك من العنبة لا من النخلة.
ويحتمل أيضًا قوله:"الخمر من هاتين الشجرتين أن يكون عنى به الشجرتين جميعا، ويكون ما خمر من ثمرهما خمرًا كما ذهب إليه أبو حنيفة، وأبو يوسف ومحمد ﵏ في نقيع من الزبيب والتمر، فجعلوه خمرًا.
ويحتمل قوله: "الخمر من هاتين الشجرتين" أن يكون أراد أن الخمر منهما، وإن كانت مختلفةً على أنها من العنب ما قد عقلنا من الخمر، وعلى أنها من التمر ما يسكر، فيكون خمر العنب هي عين العصير، إذا اشتد وخمر التمر هي المقدار من نبيذ التمر الذي يسكر.
فلما احتمل هذا الحديث هذه الوجوه التي ذكرنا لم يكن الأخذ بأحدها أولى من بقيتها، ولم يكن لمتأول أن يتأوله على أحدها إلا كان لخصمه أن يتأوله على ضد ذلك.
فإن قال قائل: فما معنى حديث عمر ﵁ يريد ما قد
٦٠٠٢ - حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: سمعت ابن إدريس، قال: سمعت أبا حيان التيمي، عن الشعبي، عن ابن عمر ﵄، قال: سمعت عمر ﵁ على منبر رسول الله ﷺ يقول: "أما بعد! أيها الناس إنه نزل