وفي القنوت وتركه وما كان مثل هذا كله اختلاف مباح كالوضوء واحدة واثنتين وثلاثًا إلا أن فقهاء الحجاز والعراق الذين تدور عليهم وعلى أتباعهم الفتوى يتشددون في الزيادة على أربع تكبيرات على الجنائز ويأبون من ذلك وهذا لا وجه له لأن السلف كبروا سبعًا وثمانيًا وستًّا وخمسًا وأربعًا وثلاثًا وقال ابن مسعود: كبر ما كبر إمامك، وبه قال أحمد بن حنبل وهم يقولون أيضًا إن الثلاث أفضل من الواحدة السابغة (١)، وكل ما وصفت لك قد نقلته الكافة من الخلف عن السلف ونقله التابعون عن السابقين نقلًا لا يدخله غلط ولا نسيان لأنها أشياء ظاهرة معمول بها في بلدان الإسلام زمنًا بعد زمن يعرف ذلك علماؤهم وعوامهم من عهد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلى هلم جرًّا، فدل على أن ذلك مباح كله وسعة ورحمة وبخير والحمد لله.
قال أبو الفتح: وبلغني عن بعض من أدركته من الفضلاء ممن ينتحل مذهب الشافعي رحمه الله نحوًا من كلام أبي عمر هذا ويرى أن الكلف مخير في نحو ما ذكرناه وكان كثيرًا ما يقنت في الوتر وربما قنت في الصبح وكذلك كان يفعل في كثير مما يجري هذا المجرى.
الثانية: في الترجيح بين ما ذكرناه من أنواع التشهد والذي اختاره الكوفيون حديث ابن مسعود كما ذكرنا لصحته الراجحة على صحة غيره ولما تقدم من زيادة الثناء، والذي اختاره الشافعي ومن نرع منزعه الأخذ بحديث ابن عباس زعموا لما فيه من زيادة: المباركات وتأنسوا في ذلك بموافقتها لقوله تعالى: {تحية من عند الله مباركة طيبة} ولقوله فيها (كما يعلمنا السورة من القرآن) ورجحه البيهقي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه ابن عباس وأقرانه من أحداث الصحابة فيكون متأخرًا على تشهد ابن مسعود وأقرانه ويلزمهم في ذلك ترجيح ما رجحه مالك من وجه تعليم عمر ذلك