ومما تضمّنه جامع أبي عيسى الترمذي -رحمه الله- مِن الاختصار في التصنيف: أنّه يذكر الحديثَ في الباب بسنده عن صحابيه، ثم يتبعه قوله:"وفي الباب عن فلان وفلان"، حتى يأتي على ما يوجد في ذلك الباب أو أكثره، فلو استوعب أسانيد ذلك لطال الكتاب جدًّا، ولو تركه بالكلية لفاته تقوية حديثه المسند، بإضافة ما أضاف إليه، والتنبيه على تلك الأحاديث، ليتتبّع مظانّها مَن له غرض في التتبع، غير أنّه ينبغي أنْ يكون ما أسند في ذلك الباب أقوى مما لم يذكر سنده، وذلك هو الأكثر مِن عمله، وقد ذكر أبو نصر بن يوسف كلامًا هذا معناه.
فقال:"وظاهر طريقته أنْ يترجم الباب الذي فيه حديث مشهور عن صحابي، قد صح الطريق إليه، وأخرِج مِن حديثه في الكتب الصحاح -فيورد في الباب مِن حديث صحابي لم يخرجوه مِن حديثه، ولا يكون الطريق إليه كالطريق إلى الأول، إلّا أنّ الحكم صحيح، ثم يتبعه بأنْ يقول: "وفي الباب عن فلان وفلان"، ويَعُد جماعة منهم الصحابي -يعني الذي أخرجا ذلك الحكم من حديثه- وقلما يسلك هذه الطريقة إلَّا في أبواب معدودة".
قلت: لو اطرد ذلك مِن عمل الترمذي، لكان له وجه، ولتضمن اختصارًا ثانيًا يُشْفع الأول، لكن ليس مطردًا ولا أكثريًّا، وإذا لم يطرد له على الوجه الأول عَمل ولا على الثاني، لم يبق إلَّا الجواب عمّا يقع من الثاني -إذ هو أقلّهما- في مواضعه إن تيسر جواب، والله الموفق للصواب.