حمدًا لله تعالى على ما علّم، وشكره على ما هدى إليه من سبيل الرشد وألهم، وأعَان عليه من حَمَلَ سنّةَ نبيّه محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، التي هي عن هداه تبسم، وعن مشداه تنسم. والصلاه والسلام على نبيّه محمَّد، الداعي بعزمه الأقوى إلى صراطه الأقوم، على بصيرة تجلو ما ادْلهمّ، وتوضِّح ما أُبهم، وآله وصحبه الذين استضاؤوا من سناه بأنور معلم، واستماحوا ما أضفى عليهم ثوب الثواب العلم، والرضى عن تابعيهم بإحسان على المنهج المبهج، والمسلك الأسلم. ومَنْ خَلَفهم من سلفِ العلماء الذين تُعزى إليهم معرفةُ السننِ وتُسلَّم.
فأولى ما صُرِفَتْ العنايةُ إليه ووجب الاعتماد عليه: ما وقَف الحائر به حسيرًا؛ ليرتد إليه طَرْف بصيرته بصيرًا، فَيَثْني من أَغصانه عنان عطفه، ويجني من أفنانه ثمار قَطْفِهِ -بعد كتاب اللهِ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- مِن رياض السنن النبوية التي أبدعت الحكمة الإلهية في إنشائها أَحسن الإبداع، وأودعت الأسرار النبوية في خزائنها ما شاءت من الإيداع، ذخائر تستخرجها العقول من مكامنها، وتستنبطُها العلومُ مِن معادنِها، وتغوص في طِلابِها لُجَّة عبابها؛ فتبوء من دَرِّ سحابها بِدرِّ سِخابِها متحلية بحمله، متخليّة لصونه إلّا عن أهله، وطالما جاب أربابُها القفار في اقتفاء الآثار, واقتناء سُنة النبي المختار، فتؤم فريقها لتلمّ تفريقها،