وتسَهِّل على المسالك طريقها، وتُبَيِّن مَهْجورَها من مسلوكِها، وتُعيِّن مقبولَ السنن -لمن رامها- مِن متروكِها، وما حمله العدلُ مما نقله الجريح؛ ليميز السليم الصحيح من السقيم.
وأين الجامح على عنانه ممن هو بذات الطلح مليح، حماية لحمى المصطفى، ودراية ترفع ذلك الشقاء عمَّنْ هو على شفا، وعناية يلمح آمالهم نجح سعايتها، ويُوضح أنهم أوتوا السنن فرعوها حقّ رعايتها.
وإذا كانت هذه الطريقة المُثلى للشريعة الفُضلى، فأولى ما ثَنى طالبها إليه عنانه، وأفنى في تطلبه زمانه، ما جمع له مِن فنونها، وشرفه بغني أسانيدها ومتونها، ونزه طرفه في أساليبها، وصرفه بين صحيحها وحسنها وغريبها، وعرفه مردودها من مقبولها، ومقطوعها من موصولها وأهدى إليه إرسال مرسلها، أو علة معلولها، وأبدى لديه ما تضمنته السنن من نسخ وإحكام، ومعان أحكام، إلى غير ذلك مما يأتي الإشارة إليه، والتنبيه بحسب الإمكان عليه.
ولمّا كان كتاب "الجامع" للإمام أبي عيسى الترمذي الحافظ -رحمه الله، ورضي عنه- هو الذي أبدع جامعه وما أبعد، والذي حظي بتعداد هذه العلوم، فكان بها من غيره أَقعد؛ فذلل جوامحها، وسهَّل طوامحها، وأرسل لواقحها، وأسال بأعناق المطِيِّ أباطحها، واستلان صعبها، وأبان لمن ظنّ بُعْدَها قُرْبَها؛ كان حقًّا على طالب هذا الشأن أنْ يلحظ من حقوقه واجبها، ويحفظه حفظ الأكف رواجبها، فاتفق من مُدةٍ أنَّه قُرِئ رواية فلم يخلُ مجلس الرواية والسماع من فائدة تُستفاد، ونكتة ربما تُستجاد، مما نقلتُه مِن كتابٍ أعزوه إليه، أو سمعته مِن عالم أرويه عنه، مما حضرني ذكْرُ قائله، أو غاب عني -لبعد العهد به- اسم ناقله، أو مما جاء به الذهن الركود، وجادت به القريحة وقل أنْ تجود، أو مما أنتجته المذاكرة واستحضرته المحاضرة،