للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب من قولهم: تمسحت للصلاة، والمراد الغسل، ويشد هذا التأويل كله قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للأعقاب من النار".

وسيأتي له في آخر الباب مزيدُ بيان إن شاء الله تعالى.

وعلى هذا القول والتأويل جمهور علماء المسلمين، وجماعة فقهاء الأمصار بالحجاز، والعراق والشام، من أهل الحديث والرأي.

وإنما روي مسح الرجلين عن بعض الصحابة، وبعض التابعين، وتعلق به الطبري، وذلك غير صحيح في نظر ولا أثر، والدليل على غسل الرجلين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للأعقاب من النار". فخوفنا بذكر النار، من مخالفة مراد الله تعالى، ومعلوم أنه لا يعذب بالنار إلا على ترك الواجب، ومعلوم أن المسح ليس شأنه الاستيعاب، ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما لا بطونهما، فتبين بهذا الحديث بطلانُ قول من قال بمسح القدمين، إذ لا يدخل المسح بطونَهما عندهم، وإن (١) ذلك إنما يدرك بالغسل لا بالمسح.

ودليل آخر من الإجماع، وذلك أنهم أجمعوا على أن من غسل قدميه فقد أدى الواجب الذي عليه، واختلفوا فيمن مسح قدميه؛ فاليقين ما أجمعوا عليه، دون ما اختلفوا فيه، وقد اتفقوا أن الفرائض إنما يصح أداؤها باليقين، وإذا جاز عند من قال بالمسح على القدمين أن يكون من غسل قدميه قد أدى الفرض عنده، فالقول في هذه الحال بالاتفاق، وهو اليقين من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للأعقاب من النار".

وقد قيل: أن من قرأ: {وَأَرْجُلَكُمْ}، بالخفض؛ أراد به المسح على الخفين، مع ما روي في ذلك من الآثار، وذكر أشهب عن مالك أنه سئل عن قول الله عز وجل: {وَأَرْجُلَكُمْ} في آية الوضوء؛ بالنصب أم بالخفض؟ فقال: هو الغسل ولا


(١) في ت: فإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>