للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ٢٣٧ -

ابن الخطاب رضي الله عنه قوله يا سارية الجبل وهو على المنبر في خطبة الجمعة ولم يعلموا سرها الا بعد ان حضر سارية من غزوته وقص عليهم خبره فعلموا ان الخليفة كان يخطب وهو ناظر للحاضرين بعين بصره وللغائبين بعين بصيرته فهو يأمر السامعين بالاخلاص والاتحاد ويشير للغائبين بالالتجاء الى الجبل واسناد ظهرهم اليه ليقاتلهم العدو من وجهة واحدة

ولا يغيب عن قراء التاريخ خطبته السياسية التي قال في اخرها من رأى منكم في اعوجاجاً فليقومه فقام له احد رعاء الشاة وقال له لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا. وهذه حالة تدل المطالع على حرية امير المؤمنين وسيره في طريق العدل الذي حفظ له قلوب الامة وطهر بواطنهم من الحقد عليه او الطعن فيه. وقيام هذا الراعي المرد على امير المؤمنين دليل على تمكن الاستقامة من الرعية وبعدهم عن الذل والخوف والرعب وميلهم لقول الحق في مجلس الامير والحقير. وشاهد عاى وقوف الامة على حدودها وحقوقها وحفظها النظام العام بعدم الخروج عن الحد او ارتكاب ما يخدش الدين او يضعف عصبية الاجتماع الملي وكان من عادة الخلفاء اذا وفد عليهم خطيب من بلاد بعيدة عقدوا له محفلاً ودعوا الامة لشهوده فيرقى الخطيب المنبر ويقص على الامة ما لاقاه في رحلته وما علمه من اخلاق الامم وما فيهم من الصفات وما هم عليه من احوال الملك وما لهم من الاعمال وما فيهم من الرجال وطباع الشعوب وكيفية الاحكام وحالة الاجتماع وهيئة الفرسان ووظائف العمال وسعي الافراد لتقف الامة على احوال العالم وما عليه فيغنم الحاكم الاعلى من هذه الخطبة ظهور رجال يضارعون من سمعوا سيرتهم وعلماء من يباهون من

وقفوا على اعمالهم وحكماء يبارون من علموا اخبارهم واشغالهم فتزداد بذلك ثروته المالية وتحيي كلمته الوطنية وتقوى سلطته الملكية ويتسع نطاق العلم في بلاده واقطاره وهذا الذي اوصل الوجود الى العمران والتقدم في الصناعة والعلوم

ولم تكن الخطابة قاصرة على ذكر الموت والزهد والتحذير من الدنيا وزخرفها بل كانت الخطابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء تتضمن الحوادث واخبار الامة ولا يقتصر فيها على الوعد والوعيد الا اذا كان الاسبوع خالياً من الحوادث الجديدة والامور المهمة وما نقل الخطابة من موضوعها الا الملوك المستبدون من بني امية وغيرهم فانهم لما علموا ان الناس تزدحم يوم الجمعة لاداء الفريضة وسماع الحوادث في الخطابة تواطأوا مع بعض الخطباء على ذكر الموت والزام الامة بالطاعة والخضوع والتحذير من الخروج على الحاكم او مخالفته ليميتوا بذلك ثروة النفوس التي تحدتها المظالم ويحركها البغي وتوالت من بعدهم الاعصار وكلما ظهر ملك شديد الاستبداد زاد الخطباء في التخويف والارهاب فان الخطابة في الامة بمنزله جرائد الاخبار