وكأنَّ أقرب الوجوه الوجه الأخير لأنه قيل في حق السابقين غير القاعدين (فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فوضع موضع فما خافوا فزادهم إيماناً، وقال في حق هؤلاء القاعدين (فَلا تَخَافُوهُم وَخَافُونِ) وسموا أولياء الشيطان تغليظاً، ولذلك قرن به (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مقابلاً لقوله (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا)، ثم إن أريد بالأولياء أبو سفيان وأصحابه والخطاب بقوله يخوفكم المؤمنون الخلص كان قوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) في معنى التعليل فلا يقتضي الجزاء، وإن أريد به المتخلفون كان المعنى: إن كنتم مؤمنين فخافوني وجاهدوا مع رسولي لأنَّ الإيمان يقتضي أن يؤثروا خوف الله على خوف الناس كما قال الإمام: والمعنى: الشيطان يخوف أولياءه الذين يطيعونه ويؤثرون أمره، وأما أولياء الله فهم لا يخافونه إذا خوفهم ولا ينقادون لأمره، وهذا قول الحسن والسدي.
قال الطَّيبي: والنظم يساعد عليه، فإنه تعالى لما بين أنَّ الذي أصاب المؤمنين يوم التقى الجمعان إنما أصابهم ليتميز المؤمن المخلص من المنافق فقسمهم أقساماً بدأ بذكر المنافقين ثم ثنى بذكر المؤمنين وجعلهم طبقات فذكر من استشهد وصدقوا ما عاهدوا الله عليه واستتبع مدحهم مدح الطبقة الثانية الذين لم يلحقوا بهم فذكر من أوصافهم أنَّهم الذين استجابوا لله والرسول تعريضاً بالمتخلفين، وأنهم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً، ولا فرغ من مدحهم التفت إلى الطبقة الثالثة وقال (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ)، ثم ثلث بذكر الذين محضوا الكفر و واطأت قلوبهم ألسنتهم فقال (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ) مستطرداً لذكر أولياء الشيطان، ثم عاد إلى ما بدأ منه من قوله (مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) توكيداً وتقريراً، ولما أراد أن يذكر اليهود جعل قوله (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) مخلصاً إليه ثم قال (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ). اهـ
قال أبو حيان: إنما كان المراد بالشيطان على القولين الأولين نعيماً أو أبا سفيان لأنه لا يكون صفة والمراد به إبليس، لأنه إذا أريد به إبليس كان إذ ذاك علماً بالغلبة كالعيوق. اهـ