وضع الظاهر موضع المضمر؟ قلت: لا ارتياب أن القائلين لقوله (إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا) هم الناهون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفار قريش، وإن قوله (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ) إلى قوله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) كالاعتراض والتوكيد لما يتضمن معنى الكلام السابق واللاحق من التهديد والوعيد لاشتماله على جميع من أنكر الحشر وسوء مغبتهم وإظهار حسرتهم وندامتهم ووخامة أمر حياة الدنيا، وليس المقام من مجاز وضع المظهر موضع المضمر لأن الاعتراض مستقل بنفسه ولا تعلق له بالسابق إلا من حيثُ المعنى. اهـ
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ) قال: ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح عليه ثياب دنسه حتى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك؟ قال: كذلك كان عملك قبيحاً.
قال: ما أنتن ريحك؟ قال: كذلك كان عملك منتناً.
قال: ما أدنس ثيابك؟ فيقول: إن عملك كان دنساً.
قال: من أنت؟ قال: أنا عملك.
قال فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات فأنت اليوم تحملني، فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار، فذلك قوله عز وجل (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ).
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس الملائي: أن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن صورة وأطيبه ريحاً، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أنَّ الله قد طيب ريحك وحسن صورتك.
فيقول: كذلك كنت في الدنيا، أنا عملك الصالح، طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم، وتلا (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا).