الواحدة لإرادة انتفاء الماهية أبلغ من العكس لمكان الكناية واستلزام الاستغراق بحسب إفراد الجنس كما قال صاحب المثل السائر: فإذا نفى نوح عليه الصلاة والسلام عن نفسه المرة الواحدة من الضلالة فقد نفى ما فوقها من المرتين والمرات الكثيرة، فظهر أن التركيب إنما يفيد المطلوب إذا وقع جواباً مع إرادة المبالغة لا بالنظر إلى اللفظ من حيث هو، ألا ترى أن قوله تعالى (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) إنما كان أبلغ من قوله (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) من حيث كونه وقع جواباً له، ولو نظر إلى اللفظ فقط كان هو أحط منه بدرجات كثيرة، وأما مسألة التمرة فإذا قال القائل: ليس عندي تمرة، ابتداءً يصح ما قاله الزاعم، أما لو قاله على سبيل الإنكار لمن يتهمه بإدخار التمر يصح ما قال والحاصل أن اقتضاء المقام ينحي بالهدم لجميع ما بنوه، ولما كان الإمام الداعي إلى الله تعالى ذا حظ وافر من علم البيان قال في تفسيره: فإن قيل: إن القوم قالوا (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وجوابه أن يقال: ليس بي ضلال، فلم ترك هذا وعدل إلى قوله (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ)؟ قلنا: لأن المراد بقوله (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) أي: ليس بي نوع من أنواع الضلالة ألبتة.
وقال القاضي:(لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) أيّ شيء من الضلال، بالغ في النفي كما بالغوا في الإثبات. اهـ
قوله:(استدراك باعتبار ما يلزمه).
جواب سؤال تقديره: إنَّ (لكن) حقها أن تتوسط بين كلامين متغايرين نفياً وإيجاباً فأين هذا المعنى في الآية؟ وتقرير الجواب: أن التغاير حاصل من حيث المعنى، لأن معنى قوله (رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أنه على صراط مستقيم، كأنه قال: ليس بي ضلالة فقط لكني على الهداية ألبتة، كقولك: جاءني زيد لكن عمرواً غائب. قاله الطَّيبي.
قوله:(والأول أبلغ لدلالته على الثبات).
قال الطَّيبي: لدلالة الصفة المشبهة على الثبوت (والعامي على العمى حادث لأن اسم الفاعل دونها في الدلالة على الثبوت). اهـ
قوله:(استأنف به ولم يعطف كأنه جواب سؤال ... ) إلى آخره.