وعبارة الشيخ سعد الدين: وقد يقال: بل الثاني أوجه؛ لتكون الآيات على سنن تعديد قبائحهم، وتفيد اتصافهم بالأوصاف المذكورة قصدا واستقلالا، وتدل على أن العذاب لاحق بهم من أجل كذبهم الذي هو أدنى حالهم في الكفر والنفاق، فكيف بسائر الأحوال؟
قال: فإن قيل: فالعطف على الاسمية - أعني (من الناس من يقول) - أوفى بتأدية هذه المعاني، فلم لا يعتد به؟
قلنا: لأنه لا يفيد دخول هذه الأحوال في ذكر المنافقين، وبيان قصتهم وحالهم، ولا يحسن عود الضمائر إليهم عند من له معرفة بأساليب الكلام (١).
الثالث: قال أبو حيان: ما أجازه الزمخشري من العطف على (يكذبون) أجازه أيضاً أبو البقاء (٢).
وهذا خطأ إن كانت " ما " في قوله (بما كانوا يكذبون) موصولة بمعنى الذي، وذلك أن المعطوف على الخبر خبر، و (يكذبون) قد حذف منه العائد على (ما)
* * *
وقوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ) إلى آخر الآية لا ضمير فيه يعود على (ما) فبطل أن يكون معطوفا عليه؛ إذ يصير التقدير: ولهم عذاب أليم بالذي كانوا (إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) وهذا كلام غير منتظم، لعدم العائد، وإن كانت مصدرية فعلى مذهب الأخفش يكون هذا الإعراب أيضاً خطأ؛ إذ عنده أن ما المصدرية اسم يعود عليها من صلتها ضمير، والجملة المعطوفة عارية منه، وأما على مذهب الجهور فهذا الإعراب شائع (٣). انتهى.
الرابع: قال أبو حيان: لم يذكر الزمخشري، وأبو البقاء في إعراب هذا سوى أن يكون معطوفا على (يكذبون) أو (يقول)(٤).
وزعما أن الأول أوجه، وقد ذكرنا ما فيه.
والذي نختاره أن يكون من باب عطف الجمل، وأن هذه الجملة مستأنفة، لا موضع لها من الإعراب؛ إذ هذه الجملة، والجملتان بعدها، هي من تفاصيل الكذب، ونتائج التكذيب.