فالمدح يقع غالباً بصفة يتميز بها الممدوح عن غيره، ولا يجوز أن يقتصر في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - على كونه رجلاً مسلماً، والوجه أن الصفة تذكر لتعظيم في نفسها وينوه بها إذا وصف بها عظيم القدر كما يعظم الموصوف بالصفة، ومنه وصف الأنبياء بالصلاح في قوله تعالى (وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) ولذلك قال في الذين يحملون العرش (وُيؤمِنُونَ بِهِ) تعظيماً لقدر الإيمان وبعثاً للبشر على الدخول فيه ليساووهم فيه، وقد قيل أوصاف الأشراف أشراف الأوصاف وقال:
ولئن مدحت محمد بقصيدتي ... فلقد مدحت قصيدتي بمحمد. اهـ
قال العلم العراقي: ومن أمثلته ما يكرر في الصافات عقب ذكر نبي بعد نبي (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ). اهـ
قال ابن المنير: فالنبوة أعظم من الإسلام، فلولا حملها على هذا لخرجنا عن قانون البلاغة في الترقي من الأدنى إلى الأعلى لا النزول من الأعلى إلى الأدنى، وقد قال المتنبي:
شمس ضحاها هلال ليلتها ... در تقاصيرها زبرجدها
فنزل عن الشمس إلى الهلال، وعن الدر إلى الزبرجد فمضغت الألسن عرض بلاغته ومزقت أديم صناعته لذلك. اهـ
وقال الطَّيبي بعد حكاية كلام ابن المنير: الذي يقتضي العجب من هذا الفاضل قوله إنَّ الصفة ذكرت لتعظيم نفسها وتنويه شأنها إذا وصف بها عظيم القدر وليست بصفة مدح، فيقال: إذا لم تكن صفة مدح فهل تكون للتي للتفصيل والتمييز، أو للكشف والتوضيح، أو للتقرير والتوكيد إذ لا خامس، أم كيف يتسنى لك ما يقصد به من التعظيم أو التنويه وكونها مرغوباً بها إذا لم تحملها على المدح وتقول إذا كان النبيون صلوات الله وسلامه عليهم مع جلالة قدرهم ورفعة منصبهم يمدحون بوصف الإسلام فما بال الغير، فعند ذلك يحصل التنوية والترغيب.