وإما لأنه لما ترك التسمية عمداً فكأنه نفى ما في قلبه، واعترض بأن تخصيص العام الذي خص منه البعض جائز بالقياس المنصوص العلة وفاقاً، وبأننا لا نسلم أن التارك عمداً بمنزلة الناسي لما في قلبه، بل ربما يكون ذلك لوثوقه بذلك وعدم افتقاره إلى الذكر، فذهبوا إلى أنَّ الناسي خارج بقوله (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) إذ الضمير عائد إلى عدم ذكر التسمية لكونه أقرب المذكورات، ومعلوم أن الترك نسياناً ليس بفسق لعدم التكليف والمؤاخذة، فتعين العمد، وقد عرفت ما فيه، وللشافعية وجوه: الأول: أن التسمية على ذكر المؤمن وفي قلبه ما دام مؤمناً فلا يتحقق منه عدم الذكر، فلا يحرم من ذبيحته إلا ما أُهلَّ به لغير الله، الثاني: أن قوله تعالى (لَفِسْقٌ) على وجه التحقيق والتأكيد لا يصح في حق أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عمداً كان أو سهواً
إذ لا فسق بفعل ما هو في محل الاجتهاد، الثالث: أن قوله (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) في موقع الحال إذ لا يحسن عطف الأخبار على الإنشاء وقد بين الفسق بقوله (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) فيكون النهي عن الأكل مقيداً بكون ما لم يذكر اسم الله عليه وقد أهل به لغير الله، فيحل ما ليس كذلك إما بطريق مفهوم المخالفة وإما بحكم الأصل وإما بالعمومات الواردة في حل الأطعمة، واعترض بأن التأكيد بـ (إن) واللام ينفي كون الجملة حالية لأنه إنما يحسن فيما قصد الإعلام بتحققه ألبتَّة والرد على المنكر تحقيقاً أو تقديراً على ما بين في علم المعاني، والحال الواقع في الأمر والنهي مبناه على التقدير، كأنه قيل: لا تأكلوا منه إن كان فسقاً، فلا يحسن وإنه لفسق بل وهو فسق، والجواب: أنه لما كان المراد بالفسق ههنا الإهلال به لغير الله كان التأكيد مناسباً، كأنه قيل: لا يأكلوا منه إذا كان هذا النوع من الفسق الذي الحكم به متحقق والمشركون ينكرون. اهـ
قوله:(والضمير لـ (ما)).
قال الشيخ سعد الدين: أي إلى ما لم يذكر إما بحذف المضاف، أي: إن أكله، وإما بجعل ما لم يذكر نفس الفسق على طريقة: رجل عدل، ولم يجعل الضمير
للمصدر المأخوذ من مضمون (لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) أي: إنَّ تَرْك اسم الله عليه فسق، لأن كون ذلك فسقاً سيما على وجه التحقيق والتأكيد مما لم يذهب إليه أحد، ولا يلائم قوله تعالى (أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) مع أن القرآن يفسر بعضه بعضاً سيما في حكم واحد، ولأنَّ ما لم يذكر اسم الله عليه يتناول الميتة مع القطع بأن