وأكل المباحات بعد تقبيح تلك الفعلة والتزي بزي المتقين ولذلك صرح بذلك بكل مسجد، ويؤيده قول الإمام: إن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون الطعام في الموسم إلا القليل ويحترزون عن الدسم تعظيماً فأنزل الله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) بياناً لفساد تلك الطريقة.
وسبيل هذا الاستطراد سبيل قوله تعالى (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) سواء بسواء. اهـ
قوله:(وفيه دليل على أنَّ كشف العورة في الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع).
تبع فيه صاحب الكشاف وقد قال ابن المنير: فيه ميل إلى الاعتزال وأن العقل يقبح ويحسن.
قال: وهذا اللفظ لو صدر من السني كان تأويله أن العقل أدرك المعنى الذي لأجله حَسَّن الشرعُ الستر وقبَّح الكشف. اهـ
وقال الطَّيبي: في تقديره أي في جعل الإبداء غرضاً للشيطان في الوسوسة دليل على أن المطلوب الأولي منه أنه مهتم بشأنه لكونه مستتبعاً للإخراج من الجنة وموجباً للفضيحة وشماتة العدو، ثم في إيقاع الصلة الموصولة وهي (مَا وُورِيَ عَنْهُمَا) موضع العورة على نحو قوله تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) إشعار بزيادة التقبيح، وفي جعل (مِنْ سَوْءَاتِهِمَا) بياناً له إيذان بمزيد الشناعة والقبح على منوال قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)، وإنما كان مستقبحاً في الطباع والعقول لأنه لم يكن في الجنة تكليف سوى المنع من قربان الشجرة وإنما علم قبحه من جهة العقل. اهـ