قال البلقيني: يخالفه قول جميع العلماء أن فَعَّالا، وفَاعِلاً، ونحوهما في صفات الله تعالى سواء.
قوله:(من رحم)
قال البلقيني: لا يجري ظاهره على طريقة البصريين، فإما أن يكون جرى على طريقة الكوفيين، وإما أن يكون أراد أنه من مادة رحم، لا أنه مشتق منه، ولو قيل: إنه من رَحَم المصدر لم يبعد؛ لأنه يقال: رحم يرحم رحمة ومرحمة وَرَحَماً، فهو راحم ورحيم ورحمان، وليس لنا فعل متعد جاء منه فاعل، وفعيل، وفعلان إلا رحم (١)، وهذا دليل على عظم هذه الصفة واتساعها.
وقال الشريف: فإن قلت: الرحمن صفة مشبهة، فلا تشتق إلا من فعل لازم، فكيف اشتق من رحم، وهو متعد.
وأما الرحيم فإن جعل صيغة مبالغة - كما نص عليه سيبويه في قولهم: هو رحيم (٢) فلانا - فلا إشكال فيه، وإن جعل صفة مشبهة - كما يشعر به تمثيل صاحب " الكشاف " بمريض وسقيم - توجه عليه السؤال أيضاً.
قلت: الفعل المتعدي قد يجعل لازما بمنزلة الغرائز، فينقل إلى فَعُل بضم العين، ثم تشتق منه الصفة المشبهة، وهذا مطرد في باب المدح والذمّ، نص عليه في " تصريف المفتاح " وذكره الزمخشري في " الفائق " في فقير، ورفيع، ألا ترى أن قوله تعالى (رفيع الدرجات)[سورة غافر: ١٤] معناه رفيع درجاته، لا رافع للدرجات (٣). انتهى.
ومشى عليه شيخنا العلاّمة محيي الدين الكافيجي فقال: الرحمن فعلان من فعل بالكسر صفة مشبهة، لكن بعد النقل إلى فعُل، أو بعد تنزيل المتعدي منزلة
(١) يرد عليه ما حكاه ابن خالويه، فقد جاء في: كتاب نتائج المذاكرة ٣٨: وقد حكي أن سيف الدولة قال لابن خالويه: لم يأت على تصريف: رحم فهو راحم، ورحيم، ورحمان إلا قولهم: سلم فهو سالم، وسليم، وسلمان، وندم فهو نادم، ونديم، وندمان، فقال ابن خالويه: أنا أعرف رابعا في نسب الأمير، وهو: حمد، فهو حامد، وحميد، وحمدان.