وذلك أنه كان بينه وبين جلال الدين السيوطي خصومة عنيفة أملتها المعاصرة، واقتضتها المنافسة، فنال أحدهما من الآخر، وصوب إليه سهام الطعن، وفوق إليه نصال الأذى، فألف السيوطي عنه مقام سماها: الدوران الفلكي على ابن الكركي، قال فيها: "وأذكر بناء البروز إذ أفتيت بأنه لا يجوز، فغضب من ذلك وزمجر، ونبع الشر من فيه وتفجر وقال: ما له وللتكلم في هذا! فقد ضر الناس بذلك وآذى. وذلك لأن له بروزا أحدثه خشي من هدمه، فيا فضيحة الإنسان من ربه إذا لم يعمل بعلمه، ثم يطوق تلك الأرض في عنقه من سبع أرضين، وكيف لا أتكلم في ذلك وأنا الحامل للشريعة المحمدية على كاهلي، والراقم لها في تصانيفي بأناملي، وأنا الذي بالعلم حقيق وقمن، أعلم خلق الله الآن قلما وفما، إن لم أكن أحق بالتكلم فمن"؟ شرح مقامات جلال الدين السيوطي ١/ ٤٠٨ ثم إن إبراهيم الكركي ألف مقامة دفاعاً عن نفسه، وردا على مقامة السيوطي، لم أقف عليها، لكن في مكتبة الأزهر كتاب جمع فيه إبراهيم الكركي مسائل فقهية، سماه: فيض الكريم على عبده إبراهيم، ربما تكون المقامة من محتوياته، انظر في: فهرس الأزهر ٢/ ٢٣٤. ثم ألف السيوطي مقامة أخرى سماها: طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة، ردا على مقامة ابن الكركي جال وصال فيها، وأبدأ وأعاد فيها، واستفرغ وسعه، وبذل قصارى جهده في نقضها، والنيل منه، والوقيعة فيه. ثم وصل أمرها إلى الخليفة العباسي المتوكل على الله أبي العز عبد العزيز بن يعقوب، ففض بينهما، وردعهما من التهارش، ومنعهما من التناوش. انظر في: شرح مقامات السيوطي ٢/ ٨١٣. (١) في ح: أفأترك. (٢) مقتبس من رجز الحطيئة جرول بن أوس: فالشعر صعب وطويل سلمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه ... والشعر لا يسطيعه من يظلمه يريد أن يعربه فيعجمه ديوان الحطيئة ٢٣٩ (٣) مقتبس من رجز لرؤبة بن العجاج: كالحوت لا يرويه شيء يلهمه ... يصبح ظمآن وفي البحر فمه انظر في: مجموع أشعار العرب ١٥٩.