للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما: ما صدر به الحكم نفيا كان أو إثباتا، وهو المنطوق

والأخرى: ما فهم من التقديم، والحصر يقتضي نفي المنطوق فقط، دون ما دل عليه من المفهوم؛ لأن المفهوم لا مفهوم له، فإذا قلت: أنا لا أكرم إلا إياك، أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره، ولا يلزم أنك لا تكرمه.

وقد قال سبحانه وتعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) [سورة النور ٣] أفاد أن العفيف.

قد ينكح غير الزانية، وهو ساكت عن نكاحه الزانية فقال سبحانه وتعالى بعده (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) بيانا لما سكت عنه في الأولى.

فلو قال (وبالآخرة هم يوقنون) أفاد منطوقُهُ إيقانهم بها، ومفهومُهُ عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها، وليس ذلك مقصودا بالذات، والمقصود بالذات قوة إيقانهم بالآخرة، حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض، فهو حصر مجازي، وهو دون قولنا: يوقنون بالآخرة، لا بغيرها، فاضبط هذا، وإياك أن تجعل تقديره: لا يوقنون إلا بالآخرة.

إذا عرفت هذا فتقديم (هم) أفاد أن غيرهم ليس كذلك، فلو جعلنا التقدير لا يوقنون إلا بالآخرة كان المقصود المهم النفي، فيتسلط المفهوم عليه، فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها، كما زعم هذا القائل، ويطرح إفهام أنه لا يوقن بالآخرة.

ولا شك أن هذا ليس بمراد (١)، بل المراد إفهام أن غيرهم لا يوقن بالآخرة، فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة، ليتسلط المفهوم عليه، وأن المفهوم لا يتسلط على الحصر؛ لأن الحصر لم يدل عليه بجملة (٢) واحدة، مثل " ما " و " إلا " ومثل " إنما " وإنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق، وليس أحدهما متقيداً بالآخر حتى نقول: إن المفهوم أفاد نفي الإيقان المحصور، بل أفاد نفي الإيقان مطلقا عن غيرهم.

وهذا كله إنما احتجنا إليه على تقدير تسليم ما ادعاه هذا القائل من الحصر، وقد سبق إلى فهم كثير من الناس، ونحن قد منعنا ذلك أولا، وبينا أنه لا حصر

<<  <  ج: ص:  >  >>