وهذا معنى قول السلف: حروف التهجي ابتلاء لتصديق المؤمن، وتكذيب الكافر.
هذا وهي أعلام توقظ من رقدة (١) الغفلة بنصح التعليم، وتنشط في إلقاء السمع على شهود القلب للتعظيم، كمن أراد الإخبار بمهم حرّك الحاضر بيديه، أو صاح به غيره؛ ليقبل بكله عليه.
ومصداق ذلك أن معظمها معقبة بذكر الكتاب.
وقد قلبت الرأي ظهرا لبطن في تأويل معاني هذه الحروف سنين، ونَيَّفَتِ الأقاويلُ المختارة على ستين، ولم أتحصل على ثلج اليقين، ولا ظفر الجهد على المراد قادر اليمين حتى استروحت إلى هذا الوجه من التحري. انتهى.
قوله: (فإن جعلتها أسماء الله تعالى، أو القرآن، أو السور كان لها حظ من الإعراب، إما الرفع) إلى آخره.
اعلم أن للرفع وجهين، وللنصب وجهين، وللجر وجها واحدا، فوجها الرفع إما أن يكون مبتدأ، و (ذلك الكتاب) خبره، وإما أن يكون خبر مبتدإ محذوف، أي هذه (الم).
وأما وجها النصب فإما المفعولية، تقديره أقرأ، أو أتلو (الم) وإما بحذف حرف القسم على رأي من ينصب به.
وأما الجرّ فبتقدير حذف حرف القسم، والجر به.
قوله: (والجر على إضمار حرف القسم)
قال ابن هشام في " المغني ": من الوهم قول كثير من المعربين والمفسرين في فواتح السور: إنه يجوز كونها في موضع جر بإسقاط حرف القسم، وهذا مردود بأن ذلك مختص عند البصريين باسم الله سبحانه، وبأنه لا أجوبة للقسم في سورة البقرة، وآل عمران، ويونس، وهود، ونحوهن.
ولا يصح أن يقال: قدر (ذلك الكتاب) في البقرة، و (الله لا إله إلا هو) في آل عمران جوابا، وحذفت اللام من الجملة الاسمية كحذفها في قوله:
وَرَبِّ السَّموات العُلا وبُرُوْجِهَا. . . والأرضِ وما فيها: المُقَدَّرُ كَائِنُ (٢)
لأن ذلك على قلته مخصوص باستطالة القسم (٢). انتهى.