الله تعالى (لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ)[سورة البقرة ٦٩] وقال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)[سورة يوسف ٣٨] ولأنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه وقع في حد البعد، كما تقول لصاحبك - وقد أعطيته شيئا -: احتفظ بذلك، وقيل: معناه ذلك الكتاب الذي وعدوا به " (١).
قال الطيبي: وأحسن ما قيل في توجيه الإشارة إليه بصيغة البعد = ما ذكره صاحب " المفتاح " قال: (ذلك الكتاب) ذهابا إلى بعده درجة (٢).
وقال الإمام: إن القرآن لما اشتمل على حكم عظيمة، وعلوم كثيرة يتعسر اطلاع القوة البشرية عليها بأسرها، فهو - وإن كان حاضرا نظرا إلى صورته - غائب نظرا إلى أسراره وحقائقه، فجاز أن يشار إليه كما يشار إلى البعيد الغائب.
قوله:(وتذكيره متى أريد بـ (الم) السورة، لتذكير (الكتاب) فإنه خبره)
جواب سؤال مقدر، تقديره كما أفصح به في " الكشاف ": " لم ذَكَّرَ اسم الإشارة، والمشار إليه مؤنث، وهو السورة " (٣)؟
وحاصل الجواب تخريجه على القاعدة المعروفة إذا توسط الضمير، أو الإشارة بين مبتدإ وخبر، أحدهما مذكر، والآخر مؤنث جاز في الضمير، والإشارة التذكير والتأنيث مراعاة لهذا ولهذا.
وفي هذا تسليم السؤال، والإمام منعه من أصله، فقال: لا نسلم أن المشار إليه مؤنث؛ لأن المؤنث إما المسمى، أو الاسم، والأول باطل؛ لأن المسمى هو ذلك البعض من القرآن، وهو ليس بمؤنث، وأما الاسم فهو (الم) وليس بمؤنث (٤).
نعم ذلك المسمى له اسم آخر، وهو السورة، وهو مؤنث، وليست الإشارة إليه، بل إلى الاسم الآخر، وهو (الم) الذي ليس بمؤنث.
وقال الشيخ أكمل الدين: قوله: " إن المشار إليه مؤنث " فيه نظر؛ لأن المشار إليه (الم) وهو اسم للسورة، أو هو الموعود للأمم السالفة، ولا شيء منهما بمؤنث (٥) قوله: (ثم أطلق على المنظوم عبارة قبل أن يكتب لأنه مما يكتب)