قال: والإشكال في آية (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى)[سورة الأحقاف ٣٠] أقوى؛ فإن السماع لم يتعلق إلا بما تحقق إنزاله بالحقيقة، فكيف يكون سبيله سبيل ما ذكر من جعل غير المتحقق بمنزلة المتحقق.
غاية الأمر أن الكتاب اسم للمجموع فيجب أن يراد به البعض، أو يحمل على المفهوم الكلي الصادق على الكل وعلى البعض.
ويجاب بالتأويل أيضاً، يعني أن الكتاب كأنه قد نزل كله وسمعوه، فالتجوز في إيقاع السماع على الكتاب المراد به الكل، مع أنه لم يسمع إلا بعضه (١). انتهى.
وقال الشريف: ذكر للتعبير عن الماضي والمترقب بصيغة الماضي وجهين:
أحدهما: تغليب ما وجد نزوله على ما لم يوجد.
وتحقيقه أن إنزال جميع القرآن معنى واحد، يشتمل على ما حقه صيغة الماضي، وعلى ما حقه صيغة المستقبل، فعبر عنهما معا بصيغة الماضي، ولم يعكس، تغليبا للموجود على ما لم يوجد، فذلك من قبيل إطلاق اسم الجزء على الكل.
والثاني: تشبيه مجموع المنزل بشيء نزل في تحقق النزول؛ لأنه بعضه نازل، وبعضه مستقبل سينزل قطعا، فيصير إنزال مجموعه مشبها بإنزال ذلك الشيء الذي نزل، فتستعار صيغة الماضي من إنزاله لإنزال المجموع.
قال: وقد اضمحل بما فصلناه ما يتوهم من لزوم الجمع بين الحقيقة والمجاز في كل واحد من الوجهين.
قال: وأما قوله: (إنا سمعنا كتابا) فإنما كان نظير ذلك؛ لأن المراد بقوله (كتابا) هو المجموع؛ لأنه المتبادر عند الإطلاق خصوصا إذا قيد بكونه منزلا من بعد موسى، لا بعضه، ولا القدر المشترك بينه وبين كله، وقد عبر عن إنزاله بلفظ الماضي (٢) مع أن بعضه كان حينئذٍ مترقبا، فوجب أن يؤول بأحد تأويلين.
وأما (سمعنا) فالظاهر فيه تغليب المسموع على ما لم يسمع في إيقاع السماع عليه (٣). انتهى.