للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: " تمثيل " (١) أي تصوير فإن المقصود من الاستعارة تصوير المشبه بصورة المشبه به إبرازا لوجه الشبه فيه بصورته في المشبه به، فإذا قلت: رأيت أسدا يرمي فقد صورته في

شجاعته بصورة الأسد وجراءته.

ومن الناس من زعم أن الاستعارة في " على " تبعية تمثيلية.

قال: أما كونها تبعية فلجريانها أولا في متعلق معنى الحرف، وتبعيتها في الحرف.

وأما كونها تمثيلية فلكون كل من طرفي التشبيه حالة منتزعة من عدة أمور.

فورد عليه أن انتزاع كل من طرفيه من أمور عدة يستلزم تركبه من معان متعدة، ومن البيّن أن متعلق معنى كلمة " على " وهو الاستعلاء معنى مفرد، كالضرب ونظائره، فلا يكون مشبها به في تشبيه تزكب طرفاه، وإن ضم إليه معنى آخر، وجعل المجموع مشبها به لم يكن معنى الاستعلاء مشبها به في هذا التشبيه، فكيف يسري التشبيه والاستعارة منه إلى معنى الحرف!

والحاصل أن كون " على " استعارة تبعية يستلزم كون الاستعلاء مشبها به، وأن تركب الطرفين يستلزم أن لا يكون مشبها به، فلا يجتمعان.

وأجيب عنه بأن انتزاع كل من طرفيه من عدة أمور لا يوجب تركبه، بل يقتضي تعددا في مأخذه، وهو مردود بأن المشبه مثلا إذا كان منتزعا من أشياء متعددة فإما أن ينتزع بتمامه من كل واحد منها، وهو باطل، فإذا أخذ كذلك من واحد منها كان أخذه مرة ثانية من واحد آخر لغوا، بل تحصيلا للحاصل.

وإما أن ينتزع من كل واحد منها بعض منه، فيكون مركبا بالضرورة.

وإما أن لا يكون هناك لا هذا ولا ذاك، وهو أيضاً باطل، إذ لا معنى لانتزاعه حينئذ من تلك الأمور المتعددة.

على أن هذا الزاعم قد صرّح في تفسير قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) بأنه لا معنى لتشبيه المركب بالمركب إلا أن تنتزع كيفية من أمور عدة، فتشبه بكيفية أخرى مثلها، فيقع في كل واحد من الطرفين أمور متعددة، وأنت خبير بأن أمثال ذلك مما لا يشتبه على ذي مسكة، إلا أن جماعة قد غفلوا في هذا المقام

<<  <  ج: ص:  >  >>