وهكذا وقع الترتيب في الفاتحة، قدم فيها الثناء، وهو من أولها إلى قوله (يوم الدين)
ووسط الدال على التكليف، وهو من قوله (إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين) إلى قوله (المستقيم) وأتى بعد ذلك بالدال على الحث، وهو من قوله (صراط الذين أنعمت عليهم) إلى آخرها.
قال: وفي الفاتحة لطيفة أخرى، وهي تقديم الدالِّ على الرحمة، وهو (الرحمن الرحيم) على الدالُّ على الجبروت، وهو (مالك يوم الدين) وتقديم الدالّ على الوعد، وهو (أنعمت عليهم) على الدالّ على الوعيد، وهو (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) لأن الترغيب أبعث للنفوس، ولأن رحمته تعالى سبقت غضبه. انتهى.
الشيخ أكمل الدين: أما الثناء فمن قوله (الحمد لله) إلى (مالك يوم الدين) وأما الأمر فمن قوله (إيَّاك نعبد) فإن العبادة ما يكون مأمورا به.
وردّ بأنها إذا كانت أول منزل لم يسبق أمر.
وأجيب -على تقدير تسليم أوليتها- أن رأس العبادة التوحيد، وفي إجراء الصفات الكمالية على الله تعالى في صدر السورة ما يرشد إلى ذلك، لا سيما وقد سبقها تكليف النبي صلى الله عليه وسلّم بالتوحيد، وتبليغ السورة، ويكفي ذلك في السبق.
ومن الناس من قال: الأمر مستفاد من قوله تعالى (الحمد لله) فإن معناه إحماد الغير، أي جعله حامدا.
وأما النهي فقد قيل: إنه مستفاد من قوله (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لأن معناه نستعينك في الاجتناب عما نهيت عنه.
وردّ بأنه يقتضي نهيا سابقا ولم يكن، وتنزيل جواب الأمر المتقدم على النهي متكلف (١).
وقيل: إنه مستفاد من قوله تعالى (الحمد لله) إذا كان معناه احمدوا؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده وإن وقع الاختلاف في كيفية ذلك.