للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصلح بين الناس، فينمي خير أو يقول خيرا "

زاد مسلم قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، والمرأة زوجها (١).

فهذا الحديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة.

وقد ضبط بعض العلماء ما يباح منه، وأحسن ما رأيته في ضبطه ما ذكره أبو حامد الغزالي فقال: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام؛ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب ولم يمكن بالصدق، فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا، وواجب إن كان المقصود واجبا.

فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده، أو عند غيره وديعة، وسأل ظالم يريد أخذها منه وجب عليه الكذب بإخفائها، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف، وُيوَرِّيْ في يمينه، وكذا لو كان المقصود حربا، أو إصلاح ذات البين، أو استمالة قلب المجني عليه في العفو عن الجناية لا يحصل إلا بالكذب، فالكذب ليس بحرام، وكذلك كلما ارتبط به غرض صحيح له أو لغيره، فالذي له مثل أن يأخذه ظالم ويسأله عن ماله ليأخذه فله أن ينكره، أو يسأله السلطان عن فاحشة بينه وبين الله تعالى ارتكبها فله أن ينكرها ويقول: ما زنيت، أو ما سرقت مثلا.

وقد اشتهرت الأحاديث بتلقين الذين أقروا بالحدود الرجوع عن الإقرار.

وأما غرض غيره فمثل أن يسأل عن سر أخيه فينكره، أو نحو ذلك.

وينبغي أن يقابل بين مفسدة الكذب، والمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت المفسدة في الصدق أشد ضررا فله الكذب، وإن كان عكسه، أو شك حرم عليه الكذب. (٢) انتهى.

وفي الحاشية المشار إليها: هذا الذي ذكره الزمخشري بناء على مذهبه في التحسين والتقبيح، فهم يقولون: الكذب كله قبيح وإن تضمن مصلحة بناء على أن الأحكام تابعة لأوصاف في الذات.

<<  <  ج: ص:  >  >>