من ذلك في موارد (من) البيانية كلها، فإنه يجوز أن يقال في قوله:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} أن الأوثان بلغت في صفة النجاسة بحيث يجوز أن يجرد منها رجس، وكذلك الدراهم، بلغت في الأنفاق كثرة يمكن أن يجرد منها نهاية مراتب العدد، وإن كان ذلك أمراً اعتبارياً لا يستلزم محالا لم يستبعد جوازه.
وقال أبو حيان: أجاز الزمخشري أن يكون من ثمرة بيانا، كقولك: رأيت منك أسداً تريد أسد، وكون (من) للبيان ليس مذهب المحققين، بل تأولوا ما استدل به من أثبت ذلك ولو فرضنا مجيئها للبيان لما صح تقديرها للبيان هنا لأن القائلين بأن من للبيان قدروها بمضمر وجعلوه صدراً لموصول صفة إن كان قبلها معرفة نحو:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} أي: الرجس الذي هو الأوثان، وإن كان قبلها نكرة فهو يعود على تلك النكرة نحو: من يضرب من رجل، أي: هو رجل، ومن هذه ليس قبلها ما يصلح أن يكون بيانا لا نكرة ولا معرفة إلا إن كان يتمحل لذلك أنها بيان لما بعدها، وأن التقدير: كلما رزقوا منها رزقا من ثمرة، فتكون من مبينة لرزق أي رزقا هو ثمرة، فيكون في الكلام تقديم وتأخير، فهذا ينبغي أن ينزه كتاب الله عن مثله. وأما رأيت منك أسداً فمن لابتداء الغاية. انتهى.
وقال الشيخ سعد الدين: وأما جعل هذا البيان على منهاج رأيت منك أسداً فمبني على أن (من) البيانية عنده راجعة إلى ابتداء الغاية، فلا بد من اعتبار التجريد بأن ينتزع من المخاطب أسد، ومن الثمرة