للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة: أنه لا يخلو إما أن يكون ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أو بدعة من عثمان رضي الله عنه، أو غيره، لغرض التبرك في البداءة، كذكر اسم السورة، وعدد الآيات، ولما ابتدعت كتبتها في زمن التابعين اشتد الإنكار من جميعهم عليها، حتى أنكروا النقط، والأعشار، وقالوا: هذه بدعة وزيادة، وإنما تركها من تركها اعتمادا على أنها تكتب بالحمرة، لا بخط القرآن، فإنها لا تلتبس بالقرآن، ولا ضرر فيها، بل فيها منفعة ليكون ذلك أَعْوَن على الحفظ، وإنما اعتذروا بذلك ولم يعتذر أحد بأنّا أبدعنا ذلك بالاجتهاد، كما أبدع عثمان رضي الله عنه كتبة البسملة، مع أنه (١) لا بيان فيها، ولا حاجة إليها.

ثم إن كان تجاسر مبدع (٢) على إبداعها (٣) فكيف سكت (٤) كافة المسلمين عنه، من غير إنكار وتبديع، وذلك مما يعلم استحالته قطعا، إذ النفوس لا تسمح بالسكوت في مثله.

ولو كتب الآن كاتب في القرآن، أو في أوّل السور: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم احتجاجا بقول الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) [سورة النحل ٩٩] فهل يتصور أن يسكت الناس عنه، أو يوافقوه عليه.

هذا، والزمان زمان إهمال وتساهل في مهمات الدين، والوقت وقت فتور وضعف، فكيف يظن ذلك بالصحابة مع تصلبهم في الدين وشدتهم؟ وكيف سكتوا عن إبداع زيادة بخط القرآن شديدة الضرر، لكونها موهمة أنها من القرآن، خالية عن المنفعة، وإفادة نوع من البيان، وأسامي السور لا ضرر في إثباتها؛ إذ لا توهم كونها من القرآن، وفيها فائدة التمييز والتعريف، فينكر التابعون ذلك، مع كونهم دون الصحابة في الصلابة في الدين، ثم تسكت الصحابة عن إنكار ما فيه ضرر الاشتباه، وليس فيه فائدة البيان. هذا من المحال الذي لا ينشرح الوهم لقبوله أصلا.

ثم كيف يظن بمسلم أن يستجيز ذلك من غير فائدة، وسبب باعث؟.

فإن قيل: لعل الباعث قوله صلى الله عليه وسلّم: " كل أمر ذي بال لم يبدأ


(١)
في ت، ظ: مع أنها.
(٢) في ح: مبتدع.
(٣)
في ح، ابتداعها.
(٤) في ت، سكتت.
(٥) في ت، ح: من.

<<  <  ج: ص:  >  >>