للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان أنحى من سيبويه (١) واللغوي وإن علك اللغات بقوّة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلاّ رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما علم المعاني وعلم البيان، وتمهّل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانّهما همّة في معرفة لطائف حجة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن يكون آخذًا من سائر العلوم بحظ، جامعا بين أمرين: تحقيق وحفظ، كثير المطالعات طويل المراجعات، قد رجع زمانًا ورجع إليه، ورَدّ ورُدّ عليه، فارسًا في علم الإعراب، مقدمًا في حملة الكتاب، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مشتعل القريحة وقّادها، يقظان النفس، درّاكا للمحة وإن لطف شأنها، منتبها على الرمزة وإن خفي مكانها، لاكزًا (٢) جاسيًا (٣) ولا غليظا جافيا، متصرّفا، ذا دربة بأساليب النظم والنثر، مرتاضا -غير رِّيضٍ (٤) - بتلقيح بنات الفكر، قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلّف، وكيف ينظّم ويرصف، طالما دفع إلى مضايقه، ووقع في مداحضه ومزالقه (٥).

هذا ما ذكره في خطبة الكشاف مشيرا إلى ما يجب في هذا الباب من الأوصاف، عرضا بأنه المتحلّي بهذا الوصف، وأن كتابه هو الآتي على سنن (٦) هذا الوصف.

ولقد صدق وبرّ ورسخ نظامه في القلوب فوقر وقرّ.

وتعقّبه البلقيني (٧) في الكشاف فلم يدرك مغزاه، ولا طابق ما أورده منطوق


(١) هو عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر المعروف بسيبويه، عمل كتابه المنسوب إليه، الكتاب، وهو مما لم يسبقه إليه أحد، توفي سنة ثمانين ومائة. إنباه الرواة على أنباه النحاة ٢/ ٣٤٦ وبغيية الوعاة ٢/ ٢٢٩.
(٢) الكززة الانقباض واليبس. الصحاح/ مادة كزز.
(٣) جسا ضد لطف. الصحاح/ مادة جسا.
(٤) يقال: ناقة مروضة وقد ارتاضت، وناقة ريض أول ما ريضت وهي صعبة بعد. الصحاح/ مادة روض.
(٥) الكشاف: ١/ ١٧.
(٦) في د: نسق.
(٧) هو عم بن سلان بن نصير سراج الدين أبو حفص الكناني البلقيني، كان أحفظ الناس لمذهب الشافعي، واشتهر بذلك وطبقة شيوخه موجودون، توفي سنة خمس وثمانمائة. الضوء اللامع على الكشاف، ومنها قطعة مخطوطة في مجلد يشتمل على تفسير جزء من سورة النساء. انظر في فهرس دار الكتب المصرية ١/ ٧ ملحق الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>