للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال: المعوذتان لما لم يجز إخراجهما من القرآن باختلاف كذلك لم يجز إثبات غيرهما في القرآن باختلاف.

فالجواب: أن هذا يلزم من يروم إثبات شيء في المصحف بعد الصحابة على أنه قرآن، وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قد أثبتتها (١) الصحابة كما أثبتت سائر القرآن.

ثم يقال: أليس قد اتفقنا أنه لا يجوز إخراج المعوذتين عن أن يكونا قرآنا، مع كونهما مكتوبتين في المصحف، بخلاف من خالف فيهما، فكذلك لا يجوز إخراج بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول الفاتحة عن أن تكون قرآنا مع كونها مكتوبة في المصحف، بخلاف من خالف فيها (٢). انتهى كلام سليم الرازي.

وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة، صاحب الصحيح -وهو أحد الأئمة الجامعين بين الفقه والحديث، لقي أصحاب الإمام الشافعي، وأخد عنهم-: الرجوع فيما يختلف فيه من القرآن إلى ما هو مثبت بين الدفتين، كما أنه قد اختلف في المعوذتين، ولا حجة أثبت عند العلماء أنهما (٣) من القرآن من إثبات هاتين السورتين، وكتبهما بين الدفتين باتفاق من جميع من جمع القرآن على عهد الصديق من المهاجرين والأنصار وأمهات المؤمنين، وهم أهل القدوة الذين شاهدوا التنزيل، وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلّم، وحفظوا عنه القرآن يقرأ به في الصلاة، ويعلمهم إياه، وهم الذين حفظوا سنن النبي صلى الله عليه وسلّم، وبلغوا عنه جميع ما بالمسلمين إليه الحاجة من دينهم، فكتبوا المعوذتين بين الدفتين باتفاق من جميعهم، لم ينازعهم في ذلك منازع، ولا خالفهم في ذلك بشر، ولا ترك أحد من المسلمين في شيء من الأقطار إلى يومنا هذا نعلمه كتبة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في شيء من أوائل سور القرآن.

قال: فهذه الحجة العظمى عند علمائنا على من خالفنا ونازعنا وادعى أنهما ليستا من القرآن، ومخالفونا من العراقيين مقرون (٤) أنهما من القرآن.


(١)
في ظ: اثبتها.
(٢) نقله أبو شامة في كتاب البسملة ل١٤ - ١٧ وسمى رسالة سليم الرازي بالمقنعة، ولا أعرف لها وجوداً في عالم المخطوطات.
(٣) في ت، ظ: من أ نهما.
(٤) في د: يقرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>