وقوله (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) صفة (رَسُولٌ)، فدخلت همزة الإنكار بين المسبب والسبب لإعطاء مزيد الإنكار الذي يتضمنه قوله (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، وذلك أنَّ التركيب من باب القصر القلبي، لأنه جعل المخاطبين بسبب ما صدر عنهم من النكوص على أعقابهم عند الإرجاف بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنهم اعتقدوا أنَّ محمداً صلوات الله عليه ليس حكمه حكم سائر الرسل المتقدمة في وجوب اتباع دينهم بعد موتهم بل حكمه على خلاف حكمهم، فأنكر الله ذلك عليهم، وبين أنَّ حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم من سبق من الأنبياء صلوات الله عليهم في أنهم ماتوا وبقي أتباعهم متمسكين بدينهم ثابتين عليه، ثم عقب الإنكار بقوله (أَفَإِنْ مَاتَ) وأدخل الهمزة لمزيد ذلك الإنكار، يعني: إذا علم أنَّ أمره أمر الأنبياء السابقين فلم عكستم الأمر؟ فإن لم يجعل ذلك العلم سبباً للثبات فلا أقل من أن لا يجعل سبباً للانقلاب.
قال: وأما كلام صاحب المفتاح أنَّ التركيب من باب القصر الإفرادي -أي: محمد مقصور على الرسالة، لا يتجاوزها إلى البعد عن الهلاك، يعني أنَّهم أثبتوا له صفة الرسالة والخلد استعظاماً لهلاكه فقصر على صفة الرسالة- فحديثٌ خارج عن مقتضى المقام، وبمعزل عن موجب النظم، ويؤيده قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، كما أنه تعريض بما أصابهم من الوهن، والانكسار عند الإرجاف بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم -. اهـ
وكذا قال الشيخ سعد الدين: في كلام صاحب المفتاح بُعد من جهة عدم اعتباره الوصف أعني (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، حتى كأنه لم يجعله وصفاً بل ابتداء كلام