للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد. وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب» " وصلاح القلب: في أن يحصل له وبه المقصود الذي خلق له من معرفة الله ومحبته وتعظيمه وفساده في ضد ذلك. فلا صلاح للقلوب بدون ذلك قط. والقلب له قوتان: العلم؛ والقصد كما أن للبدن الحس؛ والحركة الإرادية فكما أنه متى خرجت قوى الحس والحركة عن الحال الفطري الطبيعي فسدت. فإذا خرج القلب عن الحال الفطرية التي يولد عليها كل مولود وهي أن يكون مقرا لربه مريدا له فيكون هو منتهى قصده وإرادته. وذلك هي العبادة؛ إذ العبادة: كمال الحب بكمال الذل فمتى لم تكن حركة القلب ووجهه وإرادته لله تعالى كان فاسدا؛ إما بأن يكون معرضا عن الله وعن ذكره غافلا عن ذلك مع تكذيب أو بدون تكذيب أو بأن يكون له ذكر وشعور ولكن قصده وإرادته غيره لكون الذكر ضعيفا لم يجتذب القلب إلى إرادة الله ومحبته وعبادته. وإلا فمتى قوي علم القلب وذكره أوجب قصده وعلمه قال تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [النجم: الآيات: ٢٩ - ٣٠]، فأمر نبيه بأن يعرض عمن كان معرضا عن ذكر الله ولم يكن له مراد إلا ما يكون في الدنيا. وهذه حال من فسد قلبه؛ ولم يذكر ربه؛ ولم ينب إليه فيريد وجهه ويخلص له الدين. ثم قال: ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ فأخبر أنهم لم يحصل لهم علم فوق ما يكون في الدنيا؛ فهي أكبر همهم ومبلغ علمهم. وأما المؤمن فأكبر همه هو الله وإليه انتهى علمه وذكره. وهذا الآن باب واسع عظيم قد تكلمنا عليه في مواضعه" (١).

• قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) : "كلّ صلاح في الأرض فسببُه


(١) مجموع الفتاوى ١٨/ ١٦٣ - ١٦٤.

<<  <   >  >>