فيرى أن عمله لله وأنه بالله. وهذا مذكور في فاتحة الكتاب التي ذكرنا أن جميع الخلق محتاجون إليها أعظم من حاجتهم إلى أي شيء. ولهذا فرضت عليهم قراءتها في كل صلاة دون غيرها من السور ولم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها. فإن فيها ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ [الفاتحة: الآية: ٥]. فالمؤمن يرى: أن عمله لله لأنه إياه يعبد وأنه بالله. لأنه إياه يستعين. فلا يطلب ممن أحسن إليه جزاء ولا شكورا. لأنه إنما عمل له ما عمل لله كما قال الأبرار ﴿إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا﴾ [الإنسان: الآية: ٩]، ولا يمن عليه بذلك ولا يؤذيه. فإنه قد علم أن الله هو المان عليه إذ استعمله في الإحسان. وأن المنة لله عليه وعلى ذلك الشخص. فعليه هو: أن يشكر الله. إذ يسره لليسرى. وعلى ذلك: أن يشكر الله. إذ يسر له من يقدم له ما ينفعه من رزق أو علم أو نصر أو غير ذلك. ومن الناس: من يحسن إلى غيره ليمن عليه أو يرد الإحسان له بطاعته إليه وتعظيمه أو نفع آخر. وقد يمن عليه. فيقول: أنا فعلت بك كذا. فهذا لم يعبد الله ولم يستعنه. ولا عمل لله ولا عمل بالله. فهو المرائي. وقد أبطل الله صدقة المنان وصدقة المرائي. قال تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْدا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: الآية: ٢٦٤]، ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِل فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: الآية: ٢٦٥] " (١).