للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التدبير عليه، فإن وسوس له عدو بالرزق والمعايش، لم يضطرب قلبه ولم يتحير، لأنه قد عرف ربه معرفة أنه قريب، وأنه لا يغفل ولا ينسى، وأنه رءوف رحيم، وأنه رب غفور رحيم، وأنه عدل لا يجور، وأنه عزيز لا تمتنع منه الأشياء، وأنه يجير ولا يجار عليه، فكما خلقه محتاجا مضطرا، فإنه سيوصله إليه من حيث يريد الرب ، لا من حيث يريد العبد، على الهيئة التي يريد الرب، لا على الهيئة التي يريد العبد، وبمقدار ما يريد الرب، لا بمقدار ما يريد العبد، وفي الوقت الذي يريد الرب، لا في الوقت الذي يريد العبد؛ فعامة أهل التوحيد قد أيقنوا بهذا، إيمانا به، وقبولا له، ولم يستقر ذلك الإيمان في قلوبهم، حتى إذا كان وقت، الحاجة اضطربت قلوبهم وتحيرت، واشتغلت عن خالق الأشياء، ومالك الملوك، وأهل اليقين الذين قد استنار الإيمان في قلوبهم، سكنت القلوب، واطمأنت النفوس إلى ضمان ربها، وقربه منهم، وقدرته عليهم. فهذا شأن الرزق والمعاش.

وفوضوا أمورهم فيما سوى المعاش إليه، واتخذوه وكيلا، لأنهم لما عرفوا بأنه رءوف رحيم منهم بأنفسهم، وأحق وأولى بأنفسهم من العبيد بأنفسهم، لأنه خلقهم فصورهم، وركبهم وأحسن تقويمهم، وسوى تعديلهم، فلم يكن لهم بأنفسهم من العلم والتدبير ما دبر لهم، وعرفه ملكا قادرا قاهرا، يفعل ما يشاء، قد سبق علمه فيهم، بما يكون فيهم ولهم وعليهم، وجرى مع سابق العلم لهم بذلك قلمه في اللوح المحفوظ، ليكون أوكد في قلوب العباد، لأن سابق العلم غائب عن القلوب لا يدري كنفسه، واللوح قد خط بالقلم فيه أمر محدود، وشخص مخلوق، ويدرك بالقلوب معاينة، فما عاين القلب وأدركه أثبت عندهم مما لا تعاينه القلوب، ولا يمكن توهمه، فخلق اللوح وأثبت مقاديرهم فيه، لا لحاجة به إلى ذلك، وليكون أثبت على القلوب، لتسكن النفوس

<<  <   >  >>