للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتستقر على ما جرى القلم به، فإذا سكنت النفوس، تفرغت القلوب لعبادته، وحفظ حدوده، وإقامة أموره، وسقطت أشغال النفوس عن القلوب فيما يراد بها، وما يكون وما يحدث، لأنها قد أيست عن أن يكون غير ما جرى به القلم، وعند الإياس تسكن النفوس، وإنما دعانا إلى أن بعبده، ونقيم حدوده، ونقيم فرائضه، ونتجنب مساخطه، ولنا قلب واحد، فأثبت في اللوح أرزاقنا وسعينا، وآثارنا وأحداثنا، ومدة آجالنا، وعامة أمورنا، لتطمئن النفوس، وتخلص القلوب من وساوسها، فتبده بفراغ، وكل ذلك منه رحمة علينا، وبين ذلك في تنزيله، فقال تعالى: ﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها﴾ [الحديد: الآية: ٢٢]، أي من قبل أن نخلق تلك المصيبة، ثم بين لم فعل ذلك، فقال: ﴿لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم﴾ [الحديد: الآية: ٢٣]. فإن التأسي على الشيء الذي لم يقدر لك في اللوح هو استبداد وطلب ما ليس لك، والفرح بما آتاك يلهيك ويشغلك عن المعطي، حتى تأشر وتبطر بما تعطى، فتهلك، وإنما المبتغى منك في ذلك أن تلهو عن الغائب، وتفرح في الوجود الذي

أتاك بالأهل الذي أتاك، ثم بفضله ورحمته عليك، وإلى هذا ندبك فقال: ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون﴾ [يونس: الآية: ٥٨]. وقال تعالى في شأن الرزق: ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين﴾ [هود: الآية: ٦]. ثم قال تعالى: ﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ [الأنعام: الآية: ٥٩]. أي من يأكل تلك الحبة ومن يرزقها" (١).


(١) كتاب آداب النفس للحكيم الترمذي ص: ١٦ - ٢٠

<<  <   >  >>