للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذنوب أوهنت ذلك التوحيد والإخلاص فأضعفته، وقويت نار الذنوب حتى أحرقت ذلك، بخلاف المخلص المستيقن، فإن حسناته لا تكون إلا راجحة على سيئاته، ولا يكون مصرا على سيئة، فإن مات على ذلك دخل الجنة، وإنما يخاف على المخلص أن يأتي بسيئات راجحة يضعف إيمانه، فلا يقولها بإخلاص ويقين مانع من جميع السيئات، ويخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر، فإن سلم من الأكبر بقي معه من الأصغر، فيضيف إلى ذلك سيئات تنضم إلى هذا الشرك، فيرجح جانب السيئات، فإن السيئات تضعف الإيمان واليقين، فيضعف بذلك قول: لا إله إلا الله، فيمتنع الإخلاص في القلب، فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النائم، أو من يحسن صوته بآية من القرآن من غير ذوق طعم ولا حلاوة، فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين، بل يأتون بعدها بسيئات تنقص ذلك الصدق واليقين، بل يقولونها من غير يقين وصدق، ويموتون على ذلك ولهم سيئات كثيرة تمنعهم من دخول الجنة، وإذا كثرت الذنوب ثقل على اللسان قولها، وقسا القلب عن قولها، وكره العمل الصالح، وثقل عليه سماع القرآن، واستبشر بذكر غيره، واطمأن إلى الباطل واستحلى الرفث ومخالطة أهل الغفلة، وكره مخالطة أهل الحق، فمثل هذا إذا قالها قال بلسانه ما ليس في قلبه، وبفيه ما لا يصدق عمله، كما قال الحسن: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمن قال خيرا وعمل خيرا قبل منه، ومن قال شرا وعمل شرا لم يقبل منه.

وقال بكر بن عبد الله المزني (ت: ١٠٨ هـ) : "ما سبقهم أبو بكر (ت: ١٣ هـ) ، بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه" (١).


(١) قال المرتضى الزبيدي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للغزالي "قال العراقي: لا أصل لهذا مرفوعا، وإنما يعرف من قول بكر بن عبد الله المزني رواه الحكيم الترمذى في نوادره.
قال المحقق: وبكر ثقة سمع من ابن عباس وابن عمر، وعزاه ابن القيم إلى أبي بكر بن عياش من قوله، ولفظه: "ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه".

<<  <   >  >>