لما خلق له» (١)، فمن نفى القدر زاعما منافاته للشرع فقد عطل الله تعالى عن علمه وقدرته وجعل العبد مستقلا بأفعاله خالقا لها، فأثبت مع الله تعالى خالقا، بل أثبت أن (جميع المخلوقين خالقون)، ومن أثبته محتجا به على الشرع محاربا له به نافيا عن العبد قدرته واختياره التي منحه الله تعالى إياها وكلفه بحسبها زاعما أن الله كلف عباده ما لا يطاق، كتكليف الأعمى بنقط المصحف، فقد نسب الله تعالى إلى الظلم وكان إمامه في ذلك إبليس لعنه الله تعالى إذ يقول: ﴿قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم﴾ [الأعراف: الآية: ١٦] وأما المؤمنون حقا فيؤمنون بالقدر خيره وشره وأن الله خالق ذلك كله، وينقادون للشرع أمره ونهيه ويحكمونه في أنفسهم سرا وجهرا، والهداية والإضلال بيد الله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، وهو أعلم بمواقع فضله وعدله ﴿هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى﴾ [النجم: الآية: ٣٠] وله في ذلك الحكمة البالغة والحجة الدامغة، وأن الثواب والعقاب مترتب على الشرع فعلا وتركا على القدر، وإنما يعزون أنفسهم بالقدر عند المصائب، فإذا وفقوا لحسنه عرفوا الحق لأهله فقالوا: ﴿الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله﴾ [الأعراف: الآية: ٤٣] ولم يقولوا كما قال الفاجر: ﴿إنما أوتيته على علم عندي﴾ [القصص: الآية: ٧٨] وإذا اقترفوا سيئة قالوا كما قال الأبوان: ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾ [الأعراف: الآية: ٢٣] ولم يقولوا كقول الشيطان الرجيم: ﴿رب بما أغويتني﴾ [الحجر: الآية: ٣٩] وإذا أصابتهم مصيبة قالوا: ﴿إنا لله وإنا إليه راجعون﴾ [البقرة: الآية: ١٥٦]، ولم يقولوا كما قال الذين كفروا: ﴿وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله