ذكر المستعار له، ويجعل الكلام خلواً منه، صالحاً لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه لولا دلالة الحال من فحوى الكلام عليه، وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق من باب الاستعارة، فاعرفه. وهذا هو الفرق بين الاستعارة والتشبيه عند المحققين من علماء البيان. ومن هذا القسم قوله:
بكيت عليه حين لم يبلغ المنى ... ولم يَرو من ماء الحياة المكدّر
كأن دم اُلنجلاء تحت بُروده ... لَطِيمة مسك في إهاب غضنفر
وكذلك قول أبي الطيب المتنبي:
كأن الجفون على مقلتي ... ثياب شققن على ثاكل
ولقد أحسن بعض البغداديين في قوله:
يا طالباً عجائب الأمور ... فعقرة في الدرع ذي القتير
وقل رأيت البحر في غدير
ومن هذا النحو قول ابن المعتز:
والصبح يتلو المشتري فكأنه ... عُريْان يمشي في الدجى بسراج
وقال مؤلف الكتاب في صفة سقاة الخمر (فأخذنا في معاطاة الرحيق، ما بين الأكواب والأباريق. يطوف بها علينا ولدان، يعجز عن وصفهم قس وسبحان، فكأنهم في أيديهم الكؤوس، أقمار تسعى بشموس) وكذلك قوله أيضاً في بركة النيلوفر، من جملة رسالة عملها في الربيع (فأنينا إلى روضة ذات تأرج وتبرج، وبركة نياوفر كأنها مداهن من العسجد،