وَأبي حَاتِم فِي هَذَا الْمَعْنى كثير جدا، وَكله يَدُور على أَن مُجَرّد ثُبُوت الرُّؤْيَة لَا يَكْفِي فِي ثُبُوت السماع، وَأَن السماع لَا يثبت بِدُونِ التَّصْرِيح بِهِ، وَأَن رِوَايَة من روى عَمَّن عاصره تَارَة بِوَاسِطَة، وَتارَة بِغَيْر وَاسِطَة يدل على أَنه لم يسمع مِنْهُ إِلَّا أَن يثبت لَهُ السماع من وَجه.
ثمَّ قَالَ: فَإِذا كَانَ هَذَا قَول هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، وهم أعلم أهل زمانهم بِالْحَدِيثِ وَعلله، وَصَحِيحه، وسقيمه مَعَ مُوَافقَة البُخَارِيّ وَغَيره، فَكيف يَصح لمُسلم رَحمَه الله دَعْوَى الْإِجْمَاع على خلاف قَوْلهم، بل اتِّفَاق هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة على قَوْلهم هَذَا يَقْتَضِي حِكَايَة إِجْمَاع الْحفاظ المعتبرين على هَذَا القَوْل، وَإِن القَوْل بِخِلَاف قَوْلهم لَا يعرف عَن أحد من نظرائهم وَلَا عَمَّن قبلهم مِمَّن هُوَ فِي درجتهم وحفظهم.
وَيشْهد لصِحَّة ذَلِك حِكَايَة أبي حَاتِم اتِّفَاق أهل الحَدِيث على أَن حبيب ابْن أبي ثَابت لم يثبت لَهُ السماع من عُرْوَة مَعَ إِدْرَاكه لَهُ، وَقد ذكرنَا من قبل أَن كَلَام الشَّافِعِي إِنَّمَا يدل على مثل هَذَا لَا على خِلَافه؛ وَلذَلِك حَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن الْعلمَاء فَلَا يبعد حِينَئِذٍ أَن يُقَال: هَذَا قَول الْأَئِمَّة من الْمُحدثين، وَالْفُقَهَاء.