وَمن لطيف مَا يَحْكِي أَن الرشيد استدعى أَبَا يُوسُف القَاضِي وَقَالَ لَهُ: كَيفَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس فِي الِاسْتِثْنَاء؟ فَقَالَ: يلْحق عِنْده بِالْخِطَابِ، ويغير حكمه وَلَو بعد زمَان، فَقَالَ: عزمت عَلَيْك أَن تُفْتِي بِهِ وَلَا تخَالفه.
وَكَانَ أَبُو يُوسُف لطيفا فِيمَا يُورِدهُ متأنيا فِيمَا يَقُوله، فَقَالَ: رأى ابْن عَبَّاس يفْسد عَلَيْك بيعتك؛ لِأَن من حلف لَك وبايعك يرجع إِلَى منزله فَيَسْتَثْنِي، فانتبه الرشيد، وَقَالَ: إياك أَن تعرف النَّاس مذْهبه فِي ذَلِك، واكتمه.
وَوَقع قريب من ذَلِك لأبي حنيفَة مَعَ الْمَنْصُور، وَكَانَ قَالَ لَهُ رجل يبغض أَبَا حنيفَة: أَبُو حنيفَة يبغض جدك ابْن عَبَّاس وَيَقُول: إِن الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل لَا يَصح، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا الرجل يُرِيد أَن يفْسد عَلَيْك دولتك، فَقَالَ: وَكَيف ذَلِك؟ قَالَ: لِأَن الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل لَو صَحَّ لجَاز لكل من بَايَعَك عَام أول أَن يَسْتَثْنِي الْآن، أَو بعده مُدَّة اسْتثِْنَاء تحل بِهِ الْبيعَة من عُنُقه، ثمَّ يخرج عَلَيْك! فَضَحِك الْمَنْصُور، وَقَالَ لَهُ: الزم مَقَالَتك. انْتهى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute