وَكَذَلِكَ ذكر فِي مَسْأَلَة نسخ الأخف بالأثقل: أَن حد الزَّانِي فِي أول الْإِسْلَام كَانَ الْحَبْس ثمَّ نسخ، وَجعل حد الْبكر الْجلد والتغريب وَالثَّيِّب الْجلد وَالرَّجم، وَكَذَا قَالَ القَاضِي أَيْضا لما احْتج الْيَهُود بِمَا حكوه عَن مُوسَى أَنه قَالَ: شريعتي مُؤَبّدَة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَأجَاب بالتكذيب وبجواب آخر وَهُوَ: أَنه لَو ثَبت لَكَانَ مَعْنَاهُ: إِلَّا أَن يَدْعُو صَادِق إِلَى تَركهَا، وَهُوَ من ظَهرت المعجزة على يَده وَثبتت نبوته بِمثل مَا ثبتَتْ نبوة مُوسَى بِهِ، وَالْخَبَر يجوز تَخْصِيصه كَمَا يجوز تَخْصِيص الْأَمر وَالنَّهْي.
قلت: وعَلى هَذَا يَسْتَقِيم أَن شريعتنا ناسخة، وَهَذَا قَول أبي الْحُسَيْن وَغَيره، ثمَّ ذكر القَاضِي فِي مَسْأَلَة نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ أَن الْحَبْس فِي الْآيَة لم ينْسَخ؛ لِأَن النّسخ أَن يرد لفظ عَام يتَوَهَّم دَوَامه، ثمَّ يرد مَا يرفع بعضه، وَالْآيَة لم ترد بِالْحَبْسِ على التَّأْبِيد، وَإِنَّمَا وَردت بِهِ إِلَى غَايَة هُوَ أَن يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا فَأثْبت الْغَايَة فَوَجَبَ الْحَد بعد الْغَايَة بالْخبر. انْتهى.
فَائِدَة: للنسخ شُرُوط:
- مِنْهَا: كَون الْمَنْسُوخ حكما شَرْعِيًّا، لَا عقليا، وَأَن يكون مُنْفَصِلا مُتَأَخِّرًا عَن الْمَنْسُوخ.
- وَأَن يكون النّسخ بخطاب شَرْعِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute