للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: إحسانا إِلَيْهِ استمالة لتكشف حَال عدوه، فسلوكه أحد الطَّرِيقَيْنِ لَا يعد عَبَثا جَريا على مُوجب الْعقل.

وَلذَلِك ورد الشَّرْع بِالْأَحْكَامِ الْمُخْتَلفَة فِي الْفِعْل الْوَاحِد نظرا إِلَى الْجِهَات الْمُخْتَلفَة، كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، فَإِنَّهَا سَبَب للثَّواب من حَيْثُ إِنَّهَا صَلَاة، وللعقاب من حَيْثُ إِنَّه غصب، نظرا إِلَى الْمصلحَة والمفسدة مَعَ أَنه لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يتساويا أَو يرجح أَحدهمَا، فعلى تَقْدِير التَّسَاوِي لَا تبقى الْمصلحَة مصلحَة وَلَا الْمفْسدَة مفْسدَة، فَيلْزم انْتِفَاء الصِّحَّة وَالْحُرْمَة، وعَلى تَقْدِير رُجْحَان الْمصلحَة يلْزم انْتِفَاء الْحُرْمَة، وعَلى تَقْدِير رُجْحَان الْمفْسدَة يلْزم انْتِفَاء الصِّحَّة، فَلَا يجْتَمع الحكمان مَعًا، وَمَعَ ذَلِك اجْتمعَا فَدلَّ على بطلَان مَا ذَكرُوهُ.

ثمَّ لَو قَدرنَا توقف الْمُنَاسبَة على رُجْحَان الْمصلحَة فدليل الرجحان أَنا لم نجد فِي مَحل الْوِفَاق مناسبا سوى مَا ذكرنَا، فَلَو قَدرنَا الرجحان يكون الحكم ثَابتا معقولا، وعَلى تَقْدِير عَدمه يكون تعبدا، وَاحْتِمَال التَّعَبُّد أبعد وأندر، فَيكون احْتِمَال الرجحان أظهر.

وَمِثَال ذَلِك: تعليلنا وجوب الْقصاص على المشتركين فِي الْقَتْل بحكمة الردع والزجر؛ كَيْلا يُفْضِي إِسْقَاطه إِلَى فتح بَاب الدِّمَاء.

فيعارض الْخصم بِضَرَر إِيجَاب الْقَتْل الْكَامِل على من لم يصدر مِنْهُ ذَلِك، فَيكون جَوَابه مَا ذَكرْنَاهُ " انْتهى كَلَامه فِي " الرَّوْضَة ".

قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ وَغَيره: " الْخلاف فِي ذَلِك لَفْظِي يرجع إِلَى أَن هَذَا الْوَصْف هَل يبْقى فِيهِ مَعَ ذَلِك مُنَاسبَة أم لَا، مَعَ الِاتِّفَاق على أَنَّهَا غير مَعْمُول بهَا " انْتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>