وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ يسلم أحد من الِانْقِطَاع إِلَّا من قرنه اللَّهِ تَعَالَى بالعصمة من الزلل، وَلَيْسَ حد الْعَالم: أَن يكون حاذقا بالجدل، فالعلم صناعَة، والجدل صناعَة، إِلَّا أَن الْعلم مَادَّة الجدل، والمجادل يحْتَاج إِلَى الْعلم، والعالم لَا يحْتَاج فِي علمه إِلَى المجادل، كَمَا يحْتَاج المجادل فِي جدله إِلَى الْعَالم وَلَيْسَ حد الجدل بالمجادلة: أَن يَنْقَطِع المجادل أبدا، وَلَا يكون مِنْهُ انْقِطَاع كثير إِذا كثرت مجادلته، وَلَكِن المجادل: من كَانَ طَرِيقه فِي الجدل مَحْمُودًا، وَإِن ناله الِانْقِطَاع لبَعض الْآفَات الَّتِي تعرف ".
ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك:
" فصل: فِيمَا يجب على الْخَصْمَيْنِ فِي الجدل.
اعْلَم / أَنه يجب لكل وَاحِد على صَاحبه مثل الَّذِي يجب للْآخر عَلَيْهِ، من الْإِجْمَال فِي خطابه، وَترك التقطيع لكَلَامه، والإقبال عَلَيْهِ، وَترك الصياح فِي وَجهه، والتأمل لما يَأْتِي بِهِ، والتجنب للحدة والضجر عَلَيْهِ، وَترك الْحمل لَهُ على جحد الضَّرُورَة، إِلَّا من حَيْثُ يلْزمه ذَلِك بمذهبه وَترك الْإِخْرَاج لَهُ عَن الْحَد الَّذِي يَنْبَغِي أَن يكون عَلَيْهِ فِي السُّؤَال أَو الْجَواب، وَترك الاستصغار لَهُ، والاحتقار لما يَأْتِي بِهِ، إِلَّا من حَيْثُ يلْزمه الْحجَّة إِيَّاه، والتنبه لَهُ عَن ذَلِك إِن بدر عَنهُ، أَو مناقضة إِن ظَهرت فِي كَلَامه، وَأَن لَا يمانعه الْعبارَة إِذا أدَّت الْمَعْنى، وَكَانَ الْغَرَض إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنى دون الْعبارَة، وَأَن لَا يخرج فِي عِبَارَته عَن الْعَادة، وَأَن لَا يدْخل فِي كَلَامه مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا يسْتَعْمل مَا يَقْتَضِي التَّعَدِّي على خَصمه، والتعدي: خُرُوجه عَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute