وَإِذا كَانَ الْخصم مَعْرُوفا بالمجون فِي الجدل، وَقلة الاكتراث بِمَا يَقُول وَمَا يُقَال لَهُ، لَيْسَ غَرَضه إِقَامَة حجَّة، وَلَا بَصِيرَة ديانَة، وَإِنَّمَا يُرِيد الْمُطَالبَة والمباهاة، وَأَن يُقَال: علا قرنه، وَغلب خَصمه، أَو قطع خَصمه، فَيَنْبَغِي أَن تجتنب وتحذر مكالمته، فَلَيْسَ يحصل بمناظرته دين وَلَا دينا، وَرُبمَا ورد على خَصمه مَا يخجله وَلَا يستحسن مكافأته عَلَيْهِ فَيَنْقَطِع فِي يَدَيْهِ، فَيكون فِي انْقِطَاعه فتْنَة لمن حَضَره.
وَإِذا كَانَ الْغَرَض بالجدل إِدْرَاك الْحق بِهِ، وَكَانَ السَّبِيل إِلَى ذَلِك التثبت والتأمل، وَجب على كل وَاحِد من الْخَصْمَيْنِ / استعمالهما، وَإِلَّا حصلا على مُجَرّد الطّلب مَعَ [حرمَان] الظفر، وحاجة كل وَاحِد من الْخَصْمَيْنِ إِلَى التنبه عَن مَا يَأْتِي بِهِ صَاحبه كحاجة الآخر إِلَى ذَلِك ".
ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: وَإِذا كَانَ الصَّبْر على شغب الْمسَائِل فِي الجدل فَضِيلَة، والحلم عَن بادرة إِن كَانَت مِنْهُ رفْعَة - فَيَنْبَغِي لمن أحب اكْتِسَاب الْفَضَائِل أَن يسْتَعْمل ذَلِك بِحَسب علمه بِمَا لَهُ فِيهِ من الْحَظ الجزيل وَالْمحل الْجَلِيل، وَلَيْسَ ينقصهُ الْحلم إِلَّا عِنْد جَاهِل، وَلَا يضيع مِنْهُ الصَّبْر على شغب الْمسَائِل، إِلَّا عِنْد غبي يعْتَقد أَن ذَلِك من الذل والركاكة وقصور اللِّسَان فِي الشغب هُوَ الْفضل، فَإِن من خَاضَ تعوده، وَمن تعوده حرم الْإِصَابَة واستروح إِلَيْهِ، وَمن عرف بذلك سقط سُقُوط الذّرة، وَمن صَبر على ذَلِك وحلم عَنهُ ارْتَفع فِي نفوس الْعلمَاء، ونبل عِنْد أهل الجدل، وَبَانَتْ مِنْهُ الْقُوَّة على نَفسه، حَيْثُ منعهَا الْمُقَابلَة على الْجفَاء بِمثلِهِ وَالْقُوَّة على خَصمه، أحوجه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute