الْوَجْه الثَّانِي: لَو كَانَ للترجيح مدْخل فِي الْمذَاهب لاضطرب النَّاس، وَلم يسْتَقرّ أحد على مَذْهَب، فَلذَلِك لم يكن للترجيح فِيهِ مدْخل كالبينات.
وَهُوَ ضَعِيف - أَيْضا - وَاللَّازِم مِنْهُ مُلْتَزم، وكل من ظهر لَهُ رُجْحَان مَذْهَب، وَجب عَلَيْهِ الدُّخُول فِيهِ، كَمَا يجب على الْمُجْتَهد الْأَخْذ بأرجح الدَّلِيلَيْنِ.
الْوَجْه الثَّالِث: أَن كل وَاحِد من الْمذَاهب لَيْسَ متمحضا فِي الْخَطَأ وَلَا فِي الصَّوَاب، بل هُوَ مُصِيب فِي بعض الْمسَائِل، مخطيء فِي بَعْضهَا، وعَلى هَذَا فالمذهبان لَا يقبلان التَّرْجِيح، لإفضاء ذَلِك إِلَى التَّرْجِيح بَين الْخَطَأ وَالصَّوَاب فِي بعض الصُّور أَو بَين خطأين وصوابين، وَالْخَطَأ لَا مدْخل للترجيح فِيهِ اتِّفَاقًا.
وَهَذَا الْوَجْه يُشِير فيهإلى أَن النزاع لَفْظِي، وَهُوَ أَن من نفى التَّرْجِيح فَإِنَّمَا أَرَادَ: لَا يَصح تَرْجِيح مَجْمُوع مَذْهَب على مَجْمُوع مَذْهَب آخر لما ذكر، وَمن أثبت التَّرْجِيح بَينهمَا أثْبته بِاعْتِبَار مسائلها الْجُزْئِيَّة وَهُوَ صَحِيح، إِذْ يَصح أَن يُقَال: مَذْهَب مَالك فِي أَن المَاء الْمُسْتَعْمل فِي رفع الْحَدث طهُور،