للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤتى أحد، واستبعده أبو حيان بأنَّ فيه حذف حرف النهي، وحذف معموله، وهو غير محفوظ، وردّ عليه تلميذه السمين (١) بأنه متى دل دليل على حذف العامل جاز على أي وجه كان.

والثالث من أوجه النصب: هو «أن يؤتى» مفعول لأجله، أي: ولا تؤمنوا إلَّا لمن تبع دينكم مخافة أن يؤتى أحد، أو مخافة أن يحاجوكم، أو أن آن يؤتى بالمد على الاستفهام مفعول لأجله أيضًا، فليس هو من قول اليهود، أي: الخوف أن يؤتى أحد قلتم ذلك، ونقل ابن عطية الإجماع على أنَّ ولا تؤمنوا من مقول اليهود غير سديد.

والرابع من أوجه النصب: أنَّ «أن يؤتى» منصوب على الاشتغال، أي: تذكرون أن يؤتى أحد تذكرونه، فتذكرونه مفسر بكسر السين، ولكونه في قوة المنطق صح أن يفسر.

وأما وجه الجر: فـ «أن» أصلها لأن فأبدلت لام الجر مدة كقراءة ابن عامر: «آن كان ذا مال» بهمزة محققة ومسهلة، أو محققتين، وبها قرأ حمزة، وعاصم، أي: لأن كان ذا مال (٢).

والوجه المحتمل: هو أنَّ «أن يؤتى» متعلق بـ «لا تؤمنوا» على حذف حرف الجر، أي: ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد، ولا يؤمنوا بأن يحاجوكم، فيكون «أن يؤتى» وما عطف عليه مفعولًا لقوله: «ولا تؤمنوا»، وعلى هذا لا يوقف على «من تبع دينكم»؛ لأنَّ «أن» متصلة بما قبلها، فلا يفصل بين الفعل والمفعول، ويجوز أن لا تقدر الباء، فتقول: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد النبوة والكتاب إلَّا لمن اتبع دينكم، فـ «أن يؤتى» من تمام الحكاية عن اليهود، وقوله: «قل إن الهدى هدى الله» اعتراض بين الفعل والمفعول، وإن جعل «أن يؤتى» متصلًا بـ «الهدى» بتقدير: قل إنَّ الهدى هدى الله أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أيها المسلمون وأن لا يحاجوكم -كان الوقف على «لمن تبع دينكم» اهـ من أبي حيان، وتلميذه السمين ملخصًا، وهذا الوقف جدير بأن يخص بتأليف، ولكن ما ذكر فيه كفاية، غفر الله لمن نظر بعين الإنصاف وستر ما يرى من الخلاف.

{عِنْدَ رَبِّكُمْ} [٧٣] حسن.


(١) السمين (٠٠٠ - ٧٥٦ هـ = ٠٠٠ - ١٣٥٥ م) أحمد بن يوسف بن عبد الدايم الحلبي، أبو العباس، شهاب الدين، المعروف بالسمين: مفسِّر، عالم بالعربية، والقراءات، شافعي، من أهل حلب، استقر واشتهر في القاهرة، من كتبه: تفسير القرآن، والقول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز، والدر المصون -في إعراب القرآن، وعمدة الحفاظ، في تفسير أشرف الألفاظ -في غريب القرآن، وشرح الشاطبية -في القراءات، قال ابن الجزري: لم يسبق إلى مثله. انظر: الأعلام للزركلي (١/ ٢٧٤).
(٢) انظر هذه القراءة في: إتحاف الفضلاء (ص: ٤٢١)، الإعراب للنحاس (٣/ ٤٨٥)، التيسير (ص: ٢١٣)، تفسير الطبري (٢٩/ ١٨)، تفسير القرطبي (١٨/ ٣٣٦)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣٥١)، الحجة لابن زنجلة (ص: ٧١٧)، السبعة (ص: ٦٤٦)، الغيث للصفاقسي (ص: ٣٧١)، الكشاف (٤/ ١٤٣)، الكشف للقيسي (٢/ ٣٣١)، المعاني للفراء (٣/ ١٧٣)، تفسير الرازي (٣٠/ ٨٦)، النشر (١/ ٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>