أما الْبِدْعَة فِي الْمصَالح وَالْمَنَافِع الدُّنْيَوِيَّة المعاشية، فَلَا حرج مَا دَامَت نافعة غير ضارة، وَلَا جَارة إِلَى شَرّ يعود على النَّاس، وَلَا ارْتِكَاب محرم، أَو هدم أصل من أصُول الدّين، فَالله سُبْحَانَهُ يُبِيح لِعِبَادِهِ أَن يخترعوا لمصَالح دنياهم وَأُمُور معاشهم مَا شَاءُوا، وَقد قَالَ تَعَالَى: {وافعلوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تفلحون} (وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى، وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} وَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من سنّ فِي الْإِسْلَام سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا "، الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم وَغَيره، فَإِن لم يحمل هَذَا الحَدِيث على الْمصَالح الكونية كَانَ مَعْنَاهُ أَن يخترع كل ضال زنديق فِي دين الْإِسْلَام مَا شَاءَ، فيزيد فِي رَكْعَات الصَّلَاة وسجداتها وَينْقص مِنْهَا مَا شَاءَ، ويخترع أذكاراً وأدعية وعبادات وصلوات وصياماً غير مَا نَحن عَلَيْهِ، وَهَذَا بِعَيْنِه هُوَ إِفْسَاد الدّين، وإضلال الْمُسلمين، وَهل يتَّفق هَذَا مَعَ قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . " وَشر الْأُمُور محدثاتها، وكل محدثة بِدعَة، وكل بِدعَة ضَلَالَة، وكل ضَلَالَة فِي النَّار "، وَقَوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد " وَقَول ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} قَالَ: تبيض وُجُوه أهل السّنة، وَتسود وُجُوه أهل الْبِدْعَة؟ .
هَذَا وعَلى الَّذِي قُلْنَا ينطبق قَول الشَّافِعِي، رَحمَه الله، الْبِدْعَة بدعتان، بِدعَة محمودة، وبدعة مذمومة، فَمَا وَافق السّنة فَهُوَ مَحْمُود، وَمَا خَالف السّنة فَهُوَ مَذْمُوم.
(وَقَول) بعض متأخري الْفُقَهَاء. إِن من ترك سنة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، يعاتبه النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم الْقِيَامَة بقوله: " يَا فلَان لم تركت سنتي؟ "، فَعِنْدَ ذَلِك يتساقط وَجه المعاتب - قَول على الله بِغَيْر علم - وَوُقُوع مثل هَذَا فِي كتب ودروس كثير من أَرْبَاب العمائم عَجِيب وغريب، وَمَا أَدْرِي مَا الَّذِي أعماهم عَن قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " وَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني " رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَقَوله: " سَبْعَة لعنتهم - وَفِيه التارك لسنتي " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَحسنه صَاحب الْجَامِع الصَّغِير وشارحه، مَا أصمهم وأعمى قُلُوبهم وأبصارهم عَن خير الْهدى هَدْيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَّا إعراضهم عَن الْكتاب وَالسّنة!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute