الْقُلُوب وتفتت الكبود، بل وَتقتل النُّفُوس الْحَيَّة قتلا، وإليكم أَشْيَاء أذكرها لكم تبين لكم مَا حل بِهَذِهِ الْأمة من الْجَهَالَة والضلالة والغباوة الَّتِي أضاعتها وأسقطتها بَين سَائِر الْأُمَم بعد أَن كَانَت أعظم أمة وسيدة الْأُمَم كلهَا.
(١) الْعلمَاء كَثِيرُونَ جدا لَا سِيمَا فِي زَمَاننَا هَذَا، وكثرتهم كعدمها لأَنهم تركُوا الْجِهَاد فِي الله الَّذِي هُوَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، اللَّذَان هما روح هَذَا الدّين وَبِهِمَا قوامه ورقي أَهله وتقدمهم على أقرانهم بِالْعلمِ وَالْعَمَل، ثمَّ إِن من أَمر وَنهي وَوعظ مِنْهُم وَذكر، وهم قَلِيلُونَ جدا لَا تراهم أبدا يَتَكَلَّمُونَ فِيمَا رَأَوْا النَّاس قد وَقَعُوا فِيهِ من المخالفات والمنكرات وينبهونهم على التَّمَسُّك بمجد أسلافهم الَّذِي كَانَ سَببا لرقيهم وتفوقهم على سَائِر أقرانهم، فَلَا تراهم يعظون بعظات الْقُرْآن الْقيمَة النافعة المؤثرة أبدا، فَإِن وعظ بِالْقُرْآنِ مِنْهُم واعظ لَا ترَاهُ إِلَّا قد أضاع ثَمَرَة وعظه بِذكر أوجه الْإِعْرَاب والنحو وَالصرْف بَين الْعَوام والجهلة كَأَنَّهُ لَا يُرِيد مِنْهُم إِلَّا أَن يَقُولُوا فِيهِ: هُوَ عَالم كَبِير، فَيقومُونَ وَلم يستفيدوا مِنْهُ شَيْئا، بل قد استفادوا أَنهم أبعد النَّاس عَن فهم مَعَاني كتاب الله، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهلا لَهُ وَأَن هَذَا شَيْء يتْرك لأربابه لصعوبته، مَعَ أَن الْمَسْأَلَة بِالْعَكْسِ، فَإِن الله تَعَالَى يَقُول:{وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر فَهَل من مدكر} وَيَقُول: {كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ} ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَهَذَا صِرَاط رَبك مُسْتَقِيمًا قد فصلنا الْآيَات لقوم يذكرُونَ} وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} أَي بَين ظَاهر وَاضح، وَمَعَ وضوحه هَذَا فقد أرسل الله رَسُوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ليزيده بَيَانا ووضوحا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم ولعلهم يتفكرون} .
إِنَّك لَا تراهم أبدا يقرءُون على النَّاس حَدِيثا من أَحَادِيث الرَّسُول. فَإِن قَرَأَ مِنْهُم قَارِئ فعلى النظام الْمُتَقَدّم ذكره، بل قد سمعنَا كبراءهم يَقُولُونَ: إِنَّا