لَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ الْحَسَنِ; لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْكُفَّارُ فَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨] . وَقَوْلِهِ أَيْضًا: {وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} حَظْرُ الْقِتَالِ فِيهِ مَنْسُوخٌ بِمَا قَدَّمْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْحَسَنِ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتًا عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ.
قَوْله تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً} رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أُرِيدَ بِهِ الرِّبْحَ فِي التِّجَارَةِ, وَهُوَ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ, فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْله تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً} : "الْأَجْرُ وَالتِّجَارَةُ".
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} . قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ فِي آخَرِينَ: "هُوَ تَعْلِيمٌ, إنْ شَاءَ صَادَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصِدْ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ إطْلَاقٌ مِنْ حَظْرٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] لَمَّا حَظَرَ الْبَيْعَ بِقَوْلِهِ: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] عَقَّبَهُ بِالْإِطْلَاقِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] .
وقَوْله تعالى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} قَدْ تَضَمَّنَ إحْرَامًا مُتَقَدِّمًا; لِأَنَّ الْإِحْلَالَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} قَدْ اقْتَضَى كَوْنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُحْرِمًا, فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ وَتَقْلِيدَهُ يُوجِبُ الْإِحْرَامَ. وَيَدُلُّ قَوْلُهُ: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ دُخُولُ مَكَّةَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ,; إذْ كَانَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} قَدْ تَضَمَّنَ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَمَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فَعَلَيْهِ إحْرَامٌ يَحِلُّ, مِنْهُ وَيَحِلُّ لَهُ الاصطياد بعده. وقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} قَدْ أَرَادَ بِهِ الْإِحْلَالَ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالْخُرُوجَ مِنْ الْحَرَمِ أَيْضًا; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَظَرَ الِاصْطِيَادَ فِي الْحَرَمِ بِقَوْلِهِ: "وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا" , وَلَا خِلَافَ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِيهِ, فَعَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ بِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ جَمِيعًا. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاصْطِيَادِ لِمَنْ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ بِالْحَلْقِ, وَأَنَّ بَقَاءَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الِاصْطِيَادَ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وَهَذَا قَدْ حَلَّ; إذْ كَانَ هَذَا الْحَلْقُ وَاقِعًا لِلْإِحْلَالِ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: "لَا يَجْرِمَنَّكُمْ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ". وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ جَرَمَنِي زَيْدٌ عَلَى بُغْضِك أَيْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَكْسِبَنَّكُمْ, يُقَالُ: جَرَمْت عَلَى أَهْلِي أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute