للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَجْرِي الِاسْتِعَارَةُ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ وَتَجْرِي فِي الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ أَضْعَفَ مِنْ الْأَوَّلِ وَفَرْقُهُمْ أَنَّ الْأَوَّلَ يَقْضِي إلَى قَلْبِ الْحَقَائِقِ دُونَ الثَّانِي أَوْهَنُ مِنْ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ لَيْسَ فِي الِاسْتِحَالَةِ أَدْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ زَيْدٌ أَسَدٌ فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتِعَارَةٌ وَالْآخَرَ لَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ أَذْكُرْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ فِي الْمَتْنِ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فَإِنَّ قَوْلَهُمْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ لَمَّا كَانَتْ اسْتِعَارَةً بِالِاتِّفَاقِ عُلِمَ أَنَّ إمْكَانَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْمَجَازِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُشْتَقَّاتِ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ قَوْلُهُمْ هَذَا ابْنِي مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَقَّاتِ فَتَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِعَارَةُ بِلَا اشْتِرَاطِ إمْكَانِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ.

(مَسْأَلَةٌ: قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ تَوْسِعَةً فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ قُلْنَا لَا ضَرُورَةَ فِي اسْتِعْمَالِهِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ لِأَجْلِ الدَّاعِي الَّذِي يَأْتِي مِنْ بَعْدُ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ

ــ

[التلويح]

الْمُحَالَ رُبَّمَا يَجُوزُ ادِّعَاؤُهُ لِأَغْرَاضٍ وَاعْتِبَارَاتٍ لَطِيفَةٍ مَعَ نَصْبِ الْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ ثُبُوتِهِ فِي الْوَاقِعِ، وَبِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمُشْتَقِّ أَضْعَفُ مِنْ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يَثْبُتُ ضِمْنًا وَبَيْنَ مَا يَثْبُتُ قَصْدًا لَكِنَّ إثْبَاتَ الْمُحَالِ بَاطِلٌ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمُشْتَقِّ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ لُزُومِ قَلْبِ الْحَقَائِقِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فِي غَايَةِ الضَّعْفِ لِظُهُورِ أَنَّ اسْتِحَالَةَ نُطْقِ الْحَالِ لَيْسَتْ أَدْنَى مِنْ اسْتِحَالَةِ أَسَدِيَّةِ الْإِنْسَانِ سَوَاءٌ سَمَّى قَلْبَ الْحَقَائِقِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ عَلَى أَنَّ انْقِلَابَ الْحَقَائِقِ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ انْقِلَابٌ وَاحِدٌ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَالْمُمْتَنِعِ إلَى الْآخَرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ نُطْقَ الْحَالِ مُمْتَنِعٌ فَإِثْبَاتُهُ يَكُونُ جَعْلَ الْمُمْتَنِعِ مُمْكِنًا هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَنَا أُطْلِعُك عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ بِأَنْ أَحْكِيَ لَك كَلَامَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ فِي هَذَا الْمَقَامِ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا تُطْلَقُ حَيْثُ يُسْتَعْمَلُ الْمُشَبَّهُ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَيُجْعَلُ الْكَلَامُ خِلْوًا عَنْ الْمُشَبَّهِ صَالِحًا لَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُشَبَّهُ بِهِ لَوْلَا الْقَرِينَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُشَبَّهُ مَذْكُورًا لَفْظًا كَمَا فِي زَيْدٌ أَسَدٌ، وَلَقِيَنِي مِنْهُ أَسَدٌ، وَلَقِيت بِهِ أَسَدًا. أَوْ تَقْدِيرًا مِثْلَ أَسَدٌ فِي مَقَامِ الْإِخْبَارِ عَنْ زَيْدٍ لَمْ يُسَمِّ اسْتِعَارَةً، وَلَا اعْتِبَارَ بِكَوْنِهِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبُوا إلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] بِوَاسِطَةِ قَوْلِهِ مِنْ الْفَجْرِ خَرَجَ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ إلَى بَابِ التَّشْبِيهِ فَفِي مِثْلِ " زَيْدٌ أَسَدٌ " يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَذْفِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ لِامْتِنَاعِ حَمْلِ الْأَسَدِ عَلَى زَيْدٍ، وَأَمَّا نَحْوُ قَوْلِهِمْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ، وَنَطَقَتْ الْحَالُ بِكَذَا فَاسْتِعَارَةٌ قَطْعًا لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ مَتْرُوكٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ الدَّلَالَةُ الَّتِي شُبِّهَتْ بِنُطْقِ النَّاطِقِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمِثْلِ " زَيْدٌ أَسَدٌ " ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ابْنِي مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ لَا مِنْ قَبِيلِ الْحَالُ نَاطِقَةٌ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ الِابْنِ بِالْمُشْتَقِّ، وَلِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى تَشْبِيهِ الْعَبْدِ بِالِابْنِ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ لَهُ لَا عَلَى تَشْبِيهِ الْعِتْقِ بِالْبُنُوَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>