أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ هَذَا مَجَازٌ عَنْ سُرْعَةِ الْإِيجَادِ وَالْمُرَادُ التَّمْثِيلُ لَا حَقِيقَةُ الْقَوْلِ، وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْكَلَامِ مُرَادَةٌ بِأَنْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى سُنَنَهُ فِي تَكْوِينِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يُكَوِّنَهَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ لَكِنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْمُنَزَّهُ عَنْ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ، وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ يَكُونُ الْوُجُودُ مُرَادًا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ قَرِينَةً لِلْإِيجَادِ، وَمَثَّلَ سُرْعَةَ الْإِيجَادِ بِالتَّكَلُّمِ بِهَذَا الْأَمْرِ وَتَرَتُّبِ وُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْوُجُودَ مَقْصُودٌ مِنْ الْأَمْرِ لَمَا صَحَّ هَذَا التَّمْثِيلُ.
(فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُرَادًا بِهَذَا الْأَمْرِ) أَيْ إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ الْأَمْرُ يُوجَدُ الْمَأْمُورُ بِهِ (فَكَذَا فِي كُلِّ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْ فَاعِلًا لِهَذَا الْفِعْلِ) أَيْ يَكُونُ الْوُجُودُ مُرَادًا فِي كُلِّ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرٍ فَإِنَّ مَعْنَاهُ كُنْ فَاعِلًا لِهَذَا الْفِعْلِ فَقَوْلُهُ: صَلِّ، أَيْ
ــ
[التلويح]
إيَّاهُ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ فَالْمَعْنَى يُخَالِفُونَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ أَوْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَضْمِينِ الْمُخَالَفَةِ مَعْنَى الْإِعْرَاضِ، أَيْ يُعْرِضُونَ عَنْ الْأَمْرِ وَلَا يَأْتُونَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، فَسَوْقُ الْآيَةِ لِلتَّحْذِيرِ عَنْ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهَا خَوْفُ الْفِتْنَةِ أَوْ الْعَذَابِ إذْ لَا مَعْنَى لِلتَّحْذِيرِ عَمَّا لَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَلَا يَكُونُ فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ خَوْفُ الْفِتْنَةِ أَوْ الْعَذَابِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَاجِبًا إذْ لَا مَحْذُورَ فِي تَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ، لَا يُقَالُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ بِقَوْلِهِ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ} [النور: ٦٣] ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَعَيْنُ النِّزَاعِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ أَمْرِهِ عَامًّا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ، وَلَا نِزَاعَ فِي كَوْنِ بَعْضِ الْأَوَامِرِ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِيجَابِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْأَمْرُ بِالْحَذَرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ، وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى هَاهُنَا لِلنَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ بَلْ الْحَذَرُ عَنْ إصَابَةِ الْمَكْرُوهِ وَاجِبٌ، وَأَمْرِهِ مَصْدَرٌ مُضَافٌ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى مَعْهُودٍ فَيَكُونُ عَامًّا لَا مُطْلَقًا وَعَلَى تَقْدِيرٍ كَوْنِهِ مُطْلَقًا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لِلْوُجُوبِ، وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ مَجَازًا بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْآيَةِ التَّهْدِيدُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَإِلْحَاقُ الْوَعِيدِ بِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ حَرَامًا وَتَرْكًا لِلْوَاجِبِ لِيَلْحَقَ بِهَا الْوَعِيدُ وَالتَّهْدِيدُ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦] ، الضَّمِيرُ فِي لَهُمْ لِمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ جُمِعَ لِعُمُومِهَا بِالْوُقُوعِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَفِي أَمْرِهِمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ جُمِعَ لِلتَّعْظِيمِ، وَالْمَعْنَى مَا صَحَّ لَهُمْ أَنْ يَخْتَارُوا مِنْ أَمْرِهِمَا شَيْئًا، وَيَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْمُطَاوَعَةُ وَجَعْلُ اخْتِيَارِهِمْ تَبَعًا لِاخْتِيَارِهِمَا فِي جَمِيعِ أَوَامِرِهِمَا بِدَلِيلِ وُقُوعِ الْأَمْرِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ مِثْلُ إذَا جَاءَك رَجُلٌ فَأَكْرِمْهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute