كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: ٩٣] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: ٤٨] ، وَلِلْعُرْفِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يُرِيدُ طَلَبَ الْفِعْلِ جَزْمًا يَطْلُبُ بِهَذَا اللَّفْظِ (مَسْأَلَةٌ، وَكَذَا بَعْدَ الْحَظْرِ) لِمَا قُلْنَا، وَقِيلَ: لِلنَّدْبِ كَمَا فِي {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] أَيْ اُطْلُبُوا الرِّزْقَ، وَقِيلَ لِلْإِبَاحَةِ كَمَا فِي فَاصْطَادُوا قُلْنَا ثَبَتَ ذَلِكَ
ــ
[التلويح]
امْتِنَاعٍ وَتَوَقُّفٍ وَلَا افْتِقَارٍ إلَى مُزَاوَلَةِ عَمَلٍ وَاسْتِعْمَالِ آلَةٍ، وَلَيْسَ هَاهُنَا قَوْلٌ وَلَا كَلَامٌ وَإِنَّمَا وُجُودُ الْأَشْيَاءِ بِالْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ مَقْرُونًا بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجْرَى سُنَنَهُ فِي تَكْوِينِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يُكَوِّنَهَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ تَكْوِينُهَا بِغَيْرِهَا، وَالْمَعْنَى نَقُولُ لَهُ: اُحْدُثْ فَيَحْدُثُ عَقِيبَ هَذَا الْقَوْلِ لَكِنَّ الْمُرَادَ الْكَلَامُ الْأَزَلِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا الْكَلَامُ اللَّفْظِيُّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ فَيَحْتَاجُ إلَى خِطَابٍ آخَرَ، وَيَتَسَلْسَلُ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ قِيَامُ الصَّوْتِ وَالْحَرْفِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ خِطَابُ التَّكْوِينِ عَلَى الْفَهْمِ، وَاشْتَمَلَ عَلَى أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ، وَهُوَ الْوُجُودُ جَازَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَعْدُومِ بَلْ خِطَابُ التَّكْلِيفِ أَيْضًا أَزَلِيٌّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَعْدُومِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي سَيُوجَدُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَزَلِ لَا يُسَمَّى خِطَابًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى مُخَاطَبٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَوْله تَعَالَى {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: ١١٧] مَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً يَكُونُ الْوُجُودُ وَالْحُدُوثُ مُرَادًا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَعْنِي كُنْ. أَمَّا عَلَى الثَّانِي فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى نَقُولُ: حَدَثَ فَيَحْدُثُ، أَيْ كُلَّمَا وُجِدَ الْأَمْرُ بِالْوُجُودِ تَحَقَّقَ الْوُجُودُ عَقِيبَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ قَرِينَةَ الْإِيجَادِ، وَمَثَّلَ سُرْعَةَ الْإِيجَادِ بِالتَّكَلُّمِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَتَرَتُّبِ وُجُودُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَيْهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوُجُودُ مَقْصُودًا بِأَمْرِ كُنْ لَمَا صَحَّ هَذَا التَّمْثِيلُ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، فَسَوَاءٌ جَعَلْنَا هَذَا الْكَلَامَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُودُ مُرَادًا بِأَمْرِ كُنْ (وَ) كَمَا يَكُونُ الْوُجُودُ مُرَادًا بِأَمْرِ كُنْ يَكُونُ مُرَادًا بِجَمِيعِ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ أَمْرِ كُنْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَقِيمُوا الصَّلَاةَ كُونُوا مُقِيمِينَ لِلصَّلَاةِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ فِي أَمْرِ التَّكْوِينِ هُوَ الْكَوْنُ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ مِنْ كَانَ التَّامَّةِ، وَفِي أَمْرِ التَّكْلِيفِ هُوَ الْكَوْنُ بِمَعْنَى وُجُودِ الشَّيْءِ عَلَى صِفَةٍ مِنْ كَانَ النَّاقِصَةِ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى طَلَبًا لِلْكَوْنِ يَجِبُ تَكُونُ الْمَطْلُوبِ، أَيْ حُدُوثُ الشَّيْءِ فِي أَمْرِ التَّكْوِينِ وَحُصُولُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي أَمْرِ التَّكْلِيفِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ الْوُجُودُ وَالتَّكْوِينُ مُرَادًا مِنْ جَمِيعِ الْأَوَامِرِ حَتَّى أَمْرِ التَّكْلِيفِ لَزِمَ إعْدَامُ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ فِي الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ بِأَنْ يَحْدُثَ الْفِعْلُ شَاءَ أَوْ لَمْ يَشَأْ كَمَا فِي أَمْرِ الْإِيجَادِ، وَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ قَاعِدَةُ التَّكْلِيفِ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعُ اخْتِيَارٍ، وَإِنْ كَانَ ضَرُورِيًّا تَابِعًا لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠] ، وَإِلَّا لَصَارَ مُلْحَقًا بِالْجَمَادَاتِ فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْوُجُودِ مُرَادًا فِي أَمْرِ التَّكْلِيفِ بَلْ نَقَلَ الشَّرْعُ لُزُومَ الْوُجُودِ لِلْأَمْرِ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute