للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْنَى الْإِبَاحَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ، وَجَوَازُ التَّرْكِ، وَمَعْنَى الْوُجُوبِ جَوَازُ الْفِعْلِ مَعَ حُرْمَةِ التَّرْكِ لَكِنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِبَاحَةِ هُوَ أَنَّ الْأَمْرَ يَدُلُّ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْ الْإِبَاحَةِ

ــ

[التلويح]

فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَيْ دَلَّ عَلَيْهِ بِلَا قَرِينَةٍ ذَكَرُوا لَهُ تَأْوِيلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ لَيْسَ بِمَجَازٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَجَازِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَالْجُزْءُ لَيْسَ غَيْرَ الْكُلِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَهُ لِأَنَّ الْغَيْرَيْنِ مَوْجُودَانِ يَجُوزُ وُجُودُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُونِ وُجُودِ الْآخَرِ وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ الْكُلِّ بِدُونِ الْجُزْءِ فَلَا يَكُونُ غَيْرَهُ.

فَعِنْدَهُ اللَّفْظُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَيْ فِي مَعْنًى خَارِجٍ عَمَّا وُضِعَ لَهُ فَمَجَازٌ، وَإِلَّا فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي عَيْنِهِ فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ، وَكُلٌّ مِنْ النَّدْبِ، وَالْإِبَاحَةِ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْوُجُوبِ فَتَكُونُ صِيغَةُ الْأَمْرِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً قَاصِرَةً فِيهِمَا فَيُؤَوَّلُ الْخِلَافُ إلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ لِيَكُونَ مَجَازًا أَوْ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ لِيَكُونَ حَقِيقَةً قَاصِرَةً فَذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ بِجَامِعِ اشْتِرَاكِ الثَّلَاثَةِ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْوُجُوبِ مَعَ امْتِنَاعِ التَّرْكِ وَفِيهِمَا مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ عَلَى التَّسَاوِي فِي الْإِبَاحَةِ، وَعَلَى رُجْحَانِ الْفِعْلِ فِي النَّدْبِ فَكُلٌّ مِنْ النَّدْبِ، وَالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدٌ بِجَوَازِ التَّرْكِ، وَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْوُجُوبِ الْمُقَيَّدِ بِامْتِنَاعِ التَّرْكِ فَلَا يَكُونُ جُزْءًا لَهُ لِامْتِنَاعِ تَحَقُّقِ الْكُلِّ بِدُونِ الْجُزْءِ فَالْمُرَادُ بِالْمُبَايَنَةِ امْتِنَاعُ اجْتِمَاعِ الْإِبَاحَةِ، وَالْوُجُوبِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ لِامْتِنَاعِ صِدْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْجُزْئِيَّةَ كَالسَّقْفِ، وَالْبَيْتِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَيْسَ النَّدْبُ أَوْ الْإِبَاحَةُ مُجَرَّدَ جَوَازِ الْفِعْلِ لِيَكُونَ جُزْءًا لِلْوُجُوبِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ بَلْ الثَّلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُتَبَايِنَةٌ دَاخِلَةٌ تَحْتَ جِنْسِ الْحُكْمِ يَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِامْتِنَاعِ التَّرْكِ، وَالنَّدْبُ بِجَوَازِهِ مَرْجُوحًا، وَالْإِبَاحَةُ بِجَوَازِهِ عَلَى التَّسَاوِي.

وَلِهَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ، وَالنَّدْبِ مِنْ الْوُجُوبِ بَعْضُهُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَاصِرٌ لَا مُغَايِرٌ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ جُزْءًا قَاصِرًا بِالتَّحْقِيقِ، وَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ لَكِنْ قَرَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ عَنْهُ الِاعْتِرَاضُ السَّابِقُ، وَحَاصِلُهُ أَنْ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الْأَمْرِ لِلنَّدْبِ، وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ، وَجَوَازِ التَّرْكِ مَرْجُوحًا أَوْ مُتَسَاوِيًا حَتَّى يَكُونَ الْمَجْمُوعُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلطَّلَبِ، وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ أَصْلًا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ أَعْنِي جَوَازَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ لَهُمَا، وَلِلْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ أَوْ امْتِنَاعِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ التَّرْكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى حُرْمَةِ التَّرْكِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ جَوَازِ الْفِعْلِ جُزْءٌ مِنْ الْوُجُوبِ الْمُرَكَّبِ مِنْ جَوَازِ الْفِعْلِ مَعَ امْتِنَاعِ التَّرْكِ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ الصِّيغَةَ الْمَوْضُوعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>